موجة حر تحاصر المهاجرين في فرنسا ومطالبات بتوفير مأوى لهم

موجة حر تحاصر المهاجرين في فرنسا ومطالبات بتوفير مأوى لهم
خيام للمهاجرين في فرنسا

تشهد فرنسا منذ الاثنين الماضي موجة حر شديدة وضعت السلطات على إثرها عدداً من المقاطعات في حالة تأهب، وسط دعوات للسكان بالاحتماء من أشعة الشمس وشرب المياه باستمرار، لكن هذه التعليمات، رغم أهميتها، لا تنطبق عمليًا على آلاف المهاجرين الذين يعيشون في الشوارع أو في مخيمات عشوائية، لا سيما في منطقة باريس والشمال الفرنسي، حيث تتدهور أوضاعهم الصحية والمعيشية بشكل خطير.

وحذّرت منظمات إنسانية عاملة في شمال فرنسا من أن درجات الحرارة المرتفعة تفاقم أزمة نقص المياه في مخيمات المهاجرين المنتشرة في مناطق كاليه ودونكيرك، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الأربعاء. 

وأكدت جمعية "يوتوبيا 56" أن الوصول إلى نقطة المياه الوحيدة في غراند-سينت يتطلب مشيًا لمسافات طويلة تحت الشمس، وهي غير كافية أصلًا لحوالي 1500 مهاجر يعيشون في المنطقة، بمن فيهم عائلات وأطفال صغار.

وأشارت المنسقة الميدانية للجمعية، سالومي، إلى أن البنية التحتية الهشة تتسبب أحيانًا بانقطاع المياه بشكل مفاجئ، كما حدث مؤخرًا بعد عملية أمنية تسببت في كسر أحد الصنابير وتلويث المياه لمدة يومين، مضيفة: "نُبهت السلطات مرات عديدة إلى هذا الواقع، ولكن دون تحرّك فعلي".

القناة ملاذ خطر للمهاجرين

اضطر المهاجرون، بسبب غياب المياه النظيفة، إلى شرب المياه من القنوات المفتوحة والاستحمام فيها، وحذّرت منظمة "أطباء العالم" من مخاطر صحية فادحة تهدد المهاجرين، خاصة الأطفال منهم، حيث يمكن لأبسط الأمراض المعوية كالإسهال أن تتطور بسرعة إلى حالات حرجة.

وذكّرت منسقة المنظمة، ديان ليون، بحادث غرق شاب سوداني قبل ثلاث سنوات أثناء محاولته الاغتسال في القناة، مؤكدة أن ضفاف القنوات ليست آمنة لا للاغتسال ولا للشرب.

وأظهرت تقارير طبية للمنظمة ارتفاع نسبة الاستشارات المتعلقة بأمراض المعدة من 8% إلى 13% خلال شهري أبريل ومايو فقط، ما يبيّن التأثير المباشر للظروف المناخية على صحة اللاجئين المهملين.

غياب المأوى يفاقم المعاناة

اتهمت منظمات غير حكومية السلطات الفرنسية بالتخلي عن المهاجرين في فترات الخطر المناخي. وأوضحت جمعية "يوتوبيا 56" أن البرنامج الحكومي لتوفير المأوى عبر جمعية "Afeji" غير كافٍ وهشّ، إذ لا يضمن توفير المأوى يوميًا أو بصورة منتظمة. 

وانتقدت سالومي "التخبط والعشوائية في توفير الحماية، خاصة بعد حوادث إطلاق نار في المخيمات أودت بحياة ثلاثة أشخاص".

وأكدت أن ما يجري "ليس سوى صورة واضحة للتخلي عن المهاجرين"، لا سيما أولئك الذين يسعون لمغادرة المخيمات بحثًا عن حياة أكثر أمانًا، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين بالعطش والخوف.

وملأت جمعية "Calais Food Collective" جزءًا من الفراغ الإنساني عبر توفير خزانات مياه سعة 1000 لتر في مواقع قرب المخيمات، تعويضًا عن نقص نقاط مياه الشرب في مدينة كاليه. 

ومع أن المبادرة خففت قليلًا من المعاناة، فإن الطلب يتجاوز بكثير الإمكانيات، خاصة مع وصول أعداد المهاجرين إلى أكثر من 2000 شخص منتشرين على أكثر من 150 كيلومترًا من الشريط الساحلي.

وشددت منسقة "يوتوبيا 56" في كاليه، أنجيل فيتوريلو، على أن الحرارة العالية تزيد من محاولات العبور الخطيرة عبر المانش، ما يدفع الناس إلى قضاء أيام طويلة في الكثبان الرملية دون ماء أو غذاء أو مأوى.

جحيم الصيف في الخيام

أكد منسق "يوتوبيا 56" في باريس، ناثان ليكو، أن المهاجرين في العاصمة يعانون بشكل خاص من ظاهرة الاحتباس داخل الخيام البلاستيكية، التي تحتفظ بالحرارة وتزيد من درجات الحرارة الداخلية بـ10 درجات على الأقل. 

وقال ليكو، "باريس مدينة خانقة جدًا، والناس يضطرون للعودة إلى خيامهم بعد الغروب فقط".

وحذر ليكو من أن 30% من وفيات المشردين في فرنسا تحدث في فصل الصيف، إذ تقل المساعدات ويغيب التطوع بسبب الإجازات. 

وطالب السلطات بتوفير مأوى طارئ ونقاط مياه قريبة من أماكن إقامة المهاجرين، إلى جانب إطلاق تنبيهات صحية فورية في حالات الحرارة القصوى.

أزمة إنسانية تتكرر كل صيف

أوضح مانويل دوميرغ، مدير الأبحاث في مؤسسة مساكن الأشخاص المهمشين (FAP)، أن موجات الحر تمثل تهديدًا كبيرًا على حياة المشردين، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو اضطرابات نفسية أو يتناولون أدوية تؤثر على قدرتهم على مقاومة الجفاف.

ورغم إطلاق خطة الطوارئ الخاصة بالحر الشديد من قبل بلدية باريس، فإن دوميرغ دعا إلى عدم الاكتفاء بالتحرك استنادًا إلى درجات الحرارة فقط، بل تقييم الهشاشة الاجتماعية والصحية للفئات المعرضة للخطر.

وبحسب إحصائية "ليلة التضامن" الأخيرة، يعيش في العاصمة الفرنسية ما لا يقل عن 4000 شخص دون مأوى، في ظل تزايد الكوارث المناخية التي تُهدّد أرواحهم في كل شتاء وصيف.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية