يهدد التماسك الاجتماعي.. تصاعد خطير لخطاب الكراهية في السودان
يهدد التماسك الاجتماعي.. تصاعد خطير لخطاب الكراهية في السودان
تتسارع وتيرة خطاب الكراهية في السودان بمعدلات غير مسبوقة، في ظل الحرب المستعرة منذ أبريل 2023، ومع اتساع رقعة القتال المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتزايد الانقسامات الحادة في الشارع السوداني، بما في ذلك داخل صفوف القوى المدنية.
وحذرت منظمات حقوقية ومراكز بحثية من أن الكراهية اللفظية والتحريض المتبادل تحوّلا إلى محرك رئيسي للعنف، ومهدد مباشر للسلم الأهلي ووحدة البلاد، بحسب ما ذكرت شبكة "عاين" الإخبارية، الخميس.
وبات هذا الخطاب، الذي لطالما رُصد بين الأطراف المتصارعة عسكريًا، يتمدّد الآن إلى المدنيين في الداخل والخارج، إذ سجلت حالات اعتداء جسدي في القاهرة وكمبالا، نتيجة شحن نفسي وعاطفي غذّته صفحات التواصل الاجتماعي، واستثمرته جهات في تعبئة سياسية أو عرقية ضيقة، على حساب النسيج الوطني المتماسك.
إبراهيم نقد الله.. ضحية التحريض
شهدت العاصمة المصرية القاهرة حادثة اعتداء بالضرب المبرح على المصور الصحفي إبراهيم نقد الله، أحد موثقي الثورة السودانية، بعد اتهامات خاطئة بتأييده لقوات الدعم السريع. ويؤكد نقد الله أن الاعتداء كان نتيجة تحريض مباشر مبني على معلومات مغلوطة نشرها بعض الأشخاص على منصات التواصل.
وقال: "أحد المعتدين يعرفني شخصيًا، لكنه صدّق إشاعات بأني شاركت في قتل شقيقه، فانقضّ عليّ مع مجموعة من الشباب، وانهالوا عليّ بالضرب في مكان عام".
وأضاف أن خطاب الكراهية فصل أبناء الوطن الواحد عن بعضهم البعض حتى في الخارج، مشيرًا إلى أنه أصبح يتجنب مجالس السودانيين ويقيد تحركاته تجنبًا للاعتداءات.
السلام أصبح تهمة
ويرى الناشط السياسي والشاعر البراء عبدالله أن خطاب الكراهية تجاوز مرحلة التعبير، وتحول إلى سلوك جماعي يجد التشجيع والاحتفاء في بعض الأوساط، لا سيما في المقاهي ومجالس اللاجئين.
وقال: "من يتحدث عن السلام يُخوّن، ومن يرفض الحرب يُقاطع، وصارت الكراهية لغة عادية في المجالس".
وأضاف أن بعض السودانيين في الخارج أصبحوا محاصرين نفسيًا بسبب خوفهم من مواقفهم السياسية أو أصولهم العرقية، مشيرًا إلى أن مجرد نقاش بسيط قد يؤدي إلى حملات تشويه إلكترونية وحظر من كل المنصات.
تغذية إعلامية للكراهية
يُرجع الباحث النفسي أسعد الطيب استفحال الظاهرة إلى الهشاشة الاجتماعية المتراكمة، وتحوّل الحوارات العامة إلى انحيازات جغرافية أو قبلية، ما جعل التعارف بين السودانيين في الخارج يبدأ عادة بسؤال: "من أي منطقة أنت؟" لتُبنى بعدها المواقف بناءً على الانتماء لا على الشخصية.
وأكد أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كارثيًا في تعميق الاستقطاب وبث الأحقاد، محذرًا من أن خطاب الكراهية أكثر خطورة من الرصاصة، لأنه يُطيل أمد الحرب ويفخخ أي محاولات للمصالحة.
ويرى الخبير في دراسات السلام د. عباس التجاني، أن اتساع رقعة خطاب الكراهية، وتحوله إلى وسيلة ممنهجة للتحشيد السياسي والعرقي، يعقد مسار السلام، ويؤسس لتحولات خطيرة قد تصل إلى حرب أهلية شاملة.
وأكد أن انتقال خطاب الكراهية إلى مجموعات مدنية منقسمة حول أطراف الصراع العسكري، يمثل خطراً مضاعفًا، لأن ذلك يعني انفجارًا مجتمعيًا وشيكًا، يضرب عمق الهوية السودانية المشتركة.
وأشار إلى أن مدينة مثل بورتسودان أصبحت نموذجًا للتوتر الإثني المتزايد، فيما تشهد النهود والفاشر ارتفاعًا في الخطابات العرقية التي تهدد التماسك الأهلي.
خطاب كراهية رسمي
قالت الناشطة النسوية رابحة إسماعيل، إن الكراهية لم تعد تعبيرًا فرديًا، بل تحوّلت إلى خطاب ممنهج تتبناه أطراف الحرب كأداة للتعبئة. وأشارت إلى أن القاموس السوداني بات ملوثًا بمفردات عنصرية ومناطقية متداولة حتى بين الأطفال والشباب.
وحذرت من أن استمرار هذه اللغة بدون تشريعات رادعة وتوعية مجتمعية جادة، سيقود إلى كارثة ممتدة ليس فقط في الداخل بل في بلدان اللجوء التي قد تشهد ترحيل السودانيين بسبب "الصراعات المستوردة".
وأجمعت الآراء المشاركة في التحقيق على ضرورة التصدي لخطاب الكراهية بأدوات شاملة تشمل سن قوانين واضحة تجرّم التحريض والكراهية على أسس عرقية أو جهوية، وإطلاق حملات وطنية واسعة النطاق للتثقيف بمخاطر هذا الخطاب، وخاصة بين فئة الشباب.
بالإضافة إلى إعادة بناء المناهج التعليمية لتشمل قيم التسامح والسلام والاختلاف، وإطلاق مشاريع إعلامية بديلة تدعم صوت العقل والسلام والتنوع، وتدريب الشباب على إنتاج خطاب مضاد إيجابي عبر الفن والمسرح والمحتوى الرقمي، وتوسيع منصات الحوار المجتمعي، وخاصة بين مكونات الشتات السوداني في الخارج.