نساء كرماشان.. إيرانيات يلدن في غرف بدائية وبلا رعاية صحية

نساء كرماشان.. إيرانيات يلدن في غرف بدائية وبلا رعاية صحية
نساء كرماشان- أرشيف

شهدت مدن إيرانية عديدة طفرة في الخدمات الطبية الحديثة، إلا أن مناطق حدودية مثل قضاء ثلاث باباجاني في محافظة كرماشان لا تزال بعيدة عن هذا التطور، حيث تُجبر النساء على الولادة في غرف معدنية مؤقتة، ويتكبدن عناء السفر مئات الكيلومترات لإجراء تحاليل بسيطة أو فحوصات ضرورية. 

وفي كثير من الحالات، تفقد النساء حياتهن أو يفقدن أطفالهن على طرق وعرة تفتقر لأدنى مقومات السلامة، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأربعاء.

سادت حالة من القلق في أوساط النساء الريفيات، خاصة في ظل تكرار حالات الوفاة الناتجة عن مضاعفات كان من الممكن الوقاية منها، مثل النزيف والعدوى وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وكلها أمراض يمكن علاجها بسهولة في ظل وجود رعاية أولية وتثقيف صحي.

رعاية صحية مشروطة

برز تفاوت خطير في توزيع الخدمات الصحية داخل إيران، حيث توفرت تقنيات طبية متقدمة في المدن الكبرى، مقابل إهمال واضح للمناطق الريفية والحدودية، خاصة في إقليم كردستان شرق البلاد. 

وافتقدت المناطق الجبلية مثل ثلاث باباجاني وروانسر وجوانرود إلى الكوادر المتخصصة، خصوصاً في مجالات حساسة كطب النساء والتوليد، ما فاقم معاناة النساء وأجبرهن على السفر لعشرات الكيلومترات أثناء الحمل أو الولادة.

وشهدت هذه المناطق، التي تتجاوز كثافتها السكانية أحياناً 40 ألف نسمة، نقصًا حادًا في المعدات الطبية والأدوية، ما جعل الحمل تجربة محفوفة بالخطر. 

وخلّف الزلزال المدمر الذي ضرب ثلاث باباجاني عام 2017 دماراً واسعاً للبنية التحتية، ولم تسفر جهود إعادة الإعمار عن تحسين جذري في القطاع الصحي المحلي.

طريق نحو المجهول

اضطرت النساء الحوامل إلى خوض رحلة محفوفة بالمخاطر عبر طريق جبلي متعرج، يصل طوله إلى 145 كيلومترًا، باتجاه مدينتي جوانرود أو كرماشان من أجل إجراء فحوصات أساسية كالتصوير بالأمواج فوق الصوتية أو تحليل الدم. 

وافتقد هذا الطريق لأي وسائل أمان، من إشارات تحذيرية إلى موانع سقوط أو إسعاف ميداني، ليصبح مسرحًا متكررًا للمآسي.

وتعثرت مشروعات البنية التحتية التي كان يفترض أن تخفف من هذه المعاناة، مثل نفق "سياه طاهر" الذي لم يُفتتح بعد، فيما شكّلت تكاليف النقل الباهظة عقبة أخرى، إذ لم تعد كثير من النساء قادرات على متابعة الحمل في ظروف آمنة، ما انعكس على معدلات وفيات الأمهات والمواليد.

أصوات من قلب العزلة

كشفت زهرا بهرامي، شابة تبلغ من العمر 22 عامًا من ثلاث باباجاني، عن معاناتها أثناء الحمل، قائلة: "وضعت طفلي في غرفة حديدية خانقة داخل مركز صحي صغير، لم أكن أشعر بأي طمأنينة، بل بالخوف الدائم من المفاجآت". 

وعبّرت عن قلقها من غياب الطبيبات: "لا يوجد لدينا طبيب متخصص واحد، أصبح الحمل كابوسًا والولادة مخاطرة".

وأوضحت أن معظم النساء يخترن التوجه إلى كرماشان رغم المسافة والخطر والتكاليف الباهظة، فقط للحصول على فرصة آمنة للولادة، مضيفة أن هذه المشقة المستمرة باتت تخلق ضغطًا نفسيًا شديدًا لدى النساء.

الولادة في الفقر والموت فيه

روت شيرين محمدي، من سكان ثلاث باباجاني، قصة مأساوية فقدت فيها طفلتها ذات الثلاث سنوات بسبب الحمى الشديدة. 

وقالت إن الأطباء المحليين أوصوا بنقل الطفلة فورًا إلى كرماشان لعدم توفر المعدات، لكن الرحلة استغرقت وقتًا طويلًا بسبب صعوبة الطريق، وعندما وصلوا كانت الطفلة في غيبوبة. وبعد ستة أيام، فارقت الحياة.

وأضافت شيرين، وهي تبكي بحرقة: "أنجبت ابنتي في غرفة حديدية، وفقدتها في طريق بائس. لا أعلم من ألوم! الطبيب الذي لم يمتلك الوسائل أم الدولة التي نسيتنا؟".

دعوة لإنقاذ الأرواح 

وصفت منظمة الصحة العالمية وفيات الأمهات أثناء الحمل والولادة الناتجة عن نقص الرعاية بأنها "غير مقبولة"، مؤكدة أن معظم هذه الحالات يمكن الوقاية منها عبر توفير خدمات صحية أولية وتثقيف النساء، ودعت إلى معالجة التفاوت في تقديم الخدمات بين المدن الكبرى والمناطق النائية.

وأصبحت المطالبة ببناء مركز طبي متكامل في ثلاث باباجاني أولوية إنسانية عاجلة، ليس فقط لإنقاذ النساء وأطفالهن، بل لحفظ كرامة الإنسان في مناطق لم تصلها يد الدولة، إلا في شكل قرارات مؤجلة ووعود لم تُنفذ.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية