في ظل واقع اجتماعي متأزم.. إيرانيات يكافحن لإيجاد فرصة عمل
في ظل واقع اجتماعي متأزم.. إيرانيات يكافحن لإيجاد فرصة عمل
تحملت النساء في إيران وشرق كردستان خلال الحرب بين إيران وإسرائيل عبئًا مضاعفًا لم يعد يقتصر على إدارة شؤون الأسرة، بل امتدّ إلى التصدي لانهيارات اقتصادية خانقة وواقع اجتماعي متأزم ومستقبل مجهول.
وفي ظل غياب الأمان وغياب الحلول، وجدن أنفسهنّ على خطوط النار الاجتماعية، يواجهن وحدهنّ عواصف الغلاء، تدهور الخدمات، وتردّي شبكات الدعم، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الثلاثاء.
كشفت المبرمجة ليندا عظیمي، المقيمة في مدينة سنه شرق كردستان، عن معاناتها بعد توقف عملها بسبب انقطاع الإنترنت، إذ قالت: "كنت أعيش حياة مستقلة وأدعم عائلتي، أما الآن، فلا شبكة ولا عمل.. الإنترنت يُقطع لأيام، ومعه ينقطع الأمل".
وأشارت إلى أن ما يؤلمها ليس فقط خسارتها الشخصية، بل الألم الأكبر هو رؤية العائلات الفقيرة تنهار تحت الضغط، خاصة من لديهم أطفال ومرضى: "باتت حياة ملايين البشر رهينة مصالح حكومات تتقاتل، ونحن الضحايا".
أحلام صغيرة تتهاوى
أما سروه مشايخي، وهي صاحبة متجر إلكتروني، فروت كيف تحوّل حلمها إلى عبء ثقيل، قائلة: "ثلاث سنوات لبناء متجر إلكتروني تبخرت فجأة.. الناس لم يعودوا يشترون سوى الضروريات، وها أنا ذا عالقة وسط بضاعة اشتريتها بالتقسيط دون أي دخل".
وأضافت: "البلاد تنزلق من أزمة إلى أخرى، ولا سبيل للاستقرار. ماذا نفعل في وطن ينقلب على خططنا كل أسبوع؟".
وتحدثت الفنانة آذر نيكبي، التي تعمل في الصناعات اليدوية، عن التراجع الحاد في الطلب على منتجاتها، مؤكدة أنها لم تعد قادرة حتى على تعويض ثمن المواد الأولية.
ولفتت إلى أن أسعار المواد تتغيّر كل ساعة، وقالت: "مع ارتفاع الدولار، ترتفع الأسعار بلا رحمة، وكأننا نُقاتَل في عدة جبهات مرة واحدة؛ سياسية واقتصادية ونفسية".
مواجهة الفقر والانهيار النفسي
وفي قلب العاصمة طهران، تعيش الأم ثريا دلشاد معاناة مركبة، بسبب وضعها العائلي الخاص، إذ لديها طفل مصاب بالتوحد.
"لا أتركه وحده لحظة واحدة، لأنه يخاف حتى من الأصوات البسيطة"، تقول ثريا، مضيفة: "أغلقنا المتجر، وتأخرنا في دفع الإيجار، لم نعد نستطيع تأمين الطعام أو الدواء، ومع القلق الذي يعيشه طفلي، أعيش انهيارًا صامتًا لا أجرؤ على البوح به".
وأكدت أن الأمومة في هذه الظروف لم تعد تعني فقط التربية، بل "الصمود في وجه الانهيار دون أن تنكسر".
العمل.. مقاومة نسوية
لا ينظر كثير من النساء إلى أعمالهن كوظائف فقط، بل كرموز للمقاومة الذاتية والاجتماعية ضد التهميش. فخسارة العمل بالنسبة لهنّ ليست مجرد أزمة مالية، بل هدم لبنيان سنوات من النضال لأجل الاستقلال.
ورغم الشعور بالهزيمة، يؤكد بعضهن أن ما لا يمكن تغييره يجب ألا يتحوّل إلى استسلام.
دعت هاني رسولي إلى تجاوز هذه الأزمة من خلال بناء تضامن نسائي جماعي، قائلة: "اليأس هو آخر ما يجب أن نلجأ إليه، علينا أن نتعاون، نبتكر، وندعم بعضنا البعض بكل الطرق الممكنة، حتى جلسات النقاش البسيطة في المنازل يمكن أن تُنتج حلولًا تتناسب مع الظروف الاستثنائية التي نعيشها".
وشدّدت على أهمية توظيف تجارب النساء اللواتي عشن حروبًا سابقة، واعتبرتهنّ بمنزلة كنز من الخبرة يمكنه أن يُرشد الأجيال الجديدة نحو الصمود والمرونة.
التغيير من الداخل
وانتقدت الناشطة شاهده أردلان الاعتماد على التدخلات الأجنبية أو الرهانات الخارجية، قائلة: "هذه الحرب لم نخترها، ولا أحد سيمنحنا حريتنا، التغيير الحقيقي لا يأتي من أمريكا أو الغرب، بل من وعينا كشعب".
وأضافت: "عشنا لعقود مع القمع والرقابة والإعدامات، لن يُنقذنا أحد من الخارج. الخلاص الوحيد هو أن ننهض بأنفسنا".
ورغم ما يواجهه المجتمع الإيراني والكردي من أزمات معقدة في ظل الحرب، تظل النساء أكثر من يتحمّل الأعباء، فهنّ في الوقت نفسه أمهات، ومزودات دخل، ومصدر الأمان النفسي لأطفالهنّ، وعناصر مقاومة مجتمعية صامتة.
وبقدر ما تبرز معاناتهن، تتجلى قدرتهن على الصمود والتكيّف، لتُصبح حكاياتهنّ مرآة لواقع لا يُروى في نشرات الأخبار، لكنه يعكس الوجه الإنساني الأعمق لكل حرب تُفرض دون إذن، ويدفع ثمنها الأبرياء دون رحمة.