خطة قسرية وسط رفض عربي.. ترامب ونتنياهو يحييان سيناريو تهجير الفلسطينيين مجدداً
في ظل صمت دولي
في تصعيد جديد يُعيد إلى الواجهة سيناريوهات التهجير القسري، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحديث عن "نقل" سكان قطاع غزة إلى خارج الأراضي الفلسطينية، مدعومًا هذه المرة بتأييد علني من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك في وقت تشهد فيه العاصمة القطرية الدوحة محادثات حساسة بشأن هدنة مؤقتة في القطاع.
وفي تصريح أثار موجة واسعة من الجدل، قال ترامب خلال لقائه بنتنياهو في البيت الأبيض، الثلاثاء، إن هناك "تعاونًا كبيرًا من دول مجاورة لإسرائيل" بخصوص خطة تهجير الفلسطينيين، دون أن يُسمي هذه الدول، من جانبه، أيد نتنياهو المقترح، مشيرًا إلى وجود تنسيق مع واشنطن لإيجاد "دول تمنح الفلسطينيين مستقبلًا أفضل"، على حد وصفه.
وأضاف نتنياهو: "إذا أراد الناس مغادرة غزة فيجب أن نمنحهم القدرة على ذلك، نحن نعمل مع الولايات المتحدة لإيجاد دول تستوعبهم وتمنحهم مستقبلًا أفضل، وأعتقد أننا نقترب من تحقيق ذلك".
تكرار مخططات سابقة
والطرح الجديد ليس مفاجئًا لمن تابع مواقف ترامب في ولايته السابقة؛ إذ كان الرئيس الأمريكي قد دعا في 25 يناير الماضي، بعد خمسة أيام فقط من تنصيبه، إلى تهجير سكان غزة إلى مصر أو الأردن، ثم أعاد تكرار المقترح عدة مرات، رغم رفض عربي رسمي، متوقعًا آنذاك "قبولًا مستقبليا" من القاهرة وعمان.
وفي تطور لافت، أعلن ترامب في 4 فبراير الماضي من واشنطن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، نيّة الولايات المتحدة "امتلاك السيطرة على غزة" ولوح بإرسال قوات أمريكية إلى القطاع، لكن سرعان ما تراجعت الإدارة الأمريكية في اليوم التالي، حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن الحديث يتعلق بـ"نقل مؤقت" للفلسطينيين ريثما يُعاد إعمار القطاع، نافية نية واشنطن إرسال قوات.
وتوالت التصريحات المتضاربة داخل الإدارة الأمريكية بين فبراير ومايو، إذ تراجع ترامب علنا عن فكرة التدخل العسكري المباشر، ثم عاد ليؤكد تمسكه بخطة التهجير، وسط تأكيدات من مستشاريه على أن "الخطة لا تهدف للتهجير بل لإيجاد مستقبل أفضل"، وفق تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
مخاوف وتحذيرات عربية
وأثار هذا الطرح موجة تحذيرات من قبل خبراء ومحللين سياسيين، إذ قال المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، لـ"جسور بوست" إن ما يُطرح هو "إعادة تدوير لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية الممتدة منذ ثمانينيات القرن الماضي"، مضيفًا أن "الحديث عن تهجير جماعي لسكان غزة يشكل كارثة إنسانية كبرى تترافق مع دمار 70% من البنية التحتية في القطاع، وأزمة غذاء ودواء ونزوح دائم".
ورأى الحوارات، أن تصريحات ترامب ونتنياهو تمثل "محاولة مكشوفة لاختبار المواقف العربية"، خصوصًا في ظل انشغال المجتمع الدولي بمفاوضات وقف إطلاق النار، محذرًا من أن تنفيذ هذا المخطط سيفتح أبوابًا لصراع إقليمي طويل الأمد، ويقضي تمامًا على حل الدولتين، ويُهدد استقرار الدول التي قد يُفرض عليها استقبال اللاجئين.
وأشار إلى أن "الرفض المصري والأردني المتكرر، والدعم الأوروبي لحقوق الفلسطينيين، قد يشكل حائط صد رئيسي في مواجهة هذا السيناريو الكارثي".
تآكل الدعم الإنساني
في ظل الصمت الدولي المتزايد، تتصاعد المخاوف من تمرير خطط التهجير تحت غطاء "إعادة الإعمار" أو "تحسين حياة الفلسطينيين"، حيث يرى مراقبون أن أي خطة لا ترتكز على الحقوق الوطنية الثابتة للفلسطينيين، وفي مقدمتها حق العودة، ستكون بمثابة شرعنة لسياسات التهجير القسري، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
ومع الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية في غزة بعد أكثر من 8 أشهر من الحرب، وغياب أفق سياسي واضح، تبدو المنطقة على مفترق طرق جديد، تُرسم فيه خرائط قسرية للوجود الفلسطيني، على وقع محادثات دبلوماسية لا تلزم إسرائيل ولا الولايات المتحدة بأي التزامات قانونية واضحة.
امتداد لمشروع قديم
ومن جانبه اعتبر المحلل في الشؤون العربية والدولية، طارق أبو زينب، أن العودة المتكررة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة، يعكس توجها استراتيجيا خطيرا، يتجدد كلما شعر اليمين الإسرائيلي أن البيئة الدولية باتت مهيأة لفرض حل نهائي بالقوة، على حساب الحقوق الفلسطينية.
وقال أبو زينب، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن الطرح المتداول ليس مجرّد فكرة طارئة أو زلة لسان، بل يمثل امتدادًا لمشروع قديم–جديد يهدف إلى "تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين"، سواء في غزة أو الضفة الغربية، تحت عناوين خادعة مثل "الأمن"، أو "تحقيق مستقبل أفضل للفلسطينيين"، وهي صيغ عادة ما تستخدم لتسويق تهجير قسري جماعي يشكل برأيه تهديدًا وجوديًا قد يتجاوز تداعيات نكبة عام 1948.
وأوضح أبو زينب أن السيناريوهات المتداولة حول التهجير إلى سيناء أو الأردن ليست تكهنات إعلامية، بل طُرحت سابقًا في "غرف مغلقة وتسريبات موثقة" من داخل دوائر صنع القرار في واشنطن وتل أبيب، مشيرًا إلى أن مصر والأردن –باعتبارهما الدولتين الجارتين لفلسطين– تواجهان ضغوطًا متزايدة، سواء عبر أدوات المساعدات أو قنوات دبلوماسية.
وأضاف: "لكن حتى اللحظة، شكل الموقفان المصري والأردني سدًّا صلبًا أمام هذه التوجهات، وأعلنت القاهرة وعمّان بوضوح أن التهجير خط أحمر، وأن أي حل للقضية يجب أن يكون داخل الأراضي الفلسطينية لا على حساب سيادة دول الجوار".
وأكد أبو زينب أن هذا الرفض لم يكن مجرد رد فعل دبلوماسي، بل انعكس في ربط القاهرة وعمان ملف إعادة إعمار غزة بشروط أساسية، أبرزها وقف العدوان الإسرائيلي ورفض سياسة فرض الحلول من طرف واحد، مشددا على أن الموقف العربي بات بحاجة ماسة إلى تجاوز البيانات الروتينية، نحو استراتيجية سياسية–قانونية فاعلة، ترفض ليس فقط التهجير، بل السياسات التي تمهد له تدريجياً.
ودعا المحلل السياسي إلى ضرورة دعم القيادة الفلسطينية في الداخل، وحماية النسيج الديموغرافي في غزة، وتفعيل أدوات الضغط عبر المؤسسات الدولية، ورفع قضايا أمام محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، مضيفاً أن ما يطرحه ترامب ونتنياهو يضع العرب أمام لحظة اختبار حقيقي؛ فإما فرض مشروع استئصالي ينهي جوهر القضية الفلسطينية، وإما طرح بديل عربي حقوقي يُنقذ ما تبقى من العدالة في هذه المنطقة.
انتهاك القانون الدولي
من زاوية القانون الدولي، أكد أبو زينب أن التهجير القسري يعد "جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف"، وتحديدًا المادة 49 من الاتفاقية الرابعة التي تحظر النقل القسري الجماعي للسكان من الأراضي المحتلة.
كما أشار إلى القرار الأممي رقم 194 الصادر عام 1948، والذي يكفل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، مشددًا على أن أي محاولة لفرض التوطين أو التهجير تمثل خرقًا فاضحًا للمواثيق الدولية، ويمكن ملاحقتها قانونيًا عبر تحركات منسقة تقودها الدول العربية أو المنظمات الحقوقية.
واختتم أبو زينب بالقول: "مصر والأردن ليستا فقط جارتين جغرافيتين لفلسطين، بل خط الدفاع الأخير عن الاستقرار الإقليمي، ففاعلية موقفهما الرافض ستكون عنصرًا حاسمًا في تقرير مصير المرحلة المقبلة، لا سيما مع اشتداد الضغوط ومحاولات فرض الأمر الواقع".
ويعد المخطط الأمريكي–الإسرائيلي لإعادة طرح تهجير الفلسطينيين تهديدًا وجوديًا خطيرًا، يحمل في طياته كارثة إنسانية واسعة النطاق، وتفجيرًا محتملاً لاستقرار الإقليم بأكمله، حيث يُفرض التهجير كحلٍ نهائيٍ لا يُجهز فقط على حقوق الشعب الفلسطيني، بل ينسف أسس القانون الدولي، ويعيد المنطقة إلى مربع الصراع المفتوح والصدام الديموغرافي بلا أفق.