بين الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر.. المسنّون في غزة على هامش الحياة

بين الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر.. المسنّون في غزة على هامش الحياة
فلسطينيون يساعدون سيدة مسنة على التنقل في غزة

في الوقت الذي تتفاقم فيه تداعيات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، تتكشّف يومًا بعد يوم ملامح الأزمة الإنسانية العميقة التي تعصف بسكان القطاع، لا سيما الفئات الأشد ضعفًا، وعلى رأسهم المسنّون، الذين يُقدّر عددهم بأكثر من 107 آلاف شخص، أي ما يعادل 5% من إجمالي سكان القطاع.

منذ بداية الحرب، شدّدت إسرائيل حصارها المحكم على قطاع غزة، وأغلقت معظم المعابر التجارية والإنسانية، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم (الوحيد المخصّص لدخول البضائع) ومعبر رفح البري (شريان الحركة للمرضى والجرحى والطلاب)، وقد أدى ذلك إلى شلل شبه تام في حركة الإمدادات الإنسانية والطبية، وفاقم الأزمة في مستشفيات باتت عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية.

كبار السن.. ضحايا الظل

في خضم هذا المشهد الكارثي، يعاني المسنّون الفلسطينيون بصمت، في ظل غياب الدواء، وندرة الغذاء، وانهيار الرعاية الصحية والاجتماعية.

وتفيد بيانات وزارة التنمية الاجتماعية في غزة بأن نسبة كبيرة من المسنّين يعيشون دون معيل مباشر بعد فقدان أبنائهم أو أقاربهم في القصف، ما جعلهم أكثر اعتمادًا على المؤسسات الإغاثية، التي بدورها تعاني من الشلل بسبب توقف الإمدادات من الخارج.

أزمة صحية وتآكل الحماية الاجتماعية

أدى إغلاق المعابر إلى أزمات متعددة في القطاع الصحي منها عدم توفر الأجهزة الطبية ونقص حاد في الأدوية المزمنة مثل أدوية الضغط والسكري والقلب، وهي الأكثر استخدامًا لدى كبار السن، كما توقّفت عمليات التحويل للعلاج في الخارج بالكامل، ما حرم مئات الحالات من تلقي الرعاية المناسبة.

ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية، فإن الموت البطيء بات يهدد شريحة واسعة من المسنين، ليس بسبب القصف المباشر، بل بفعل التجويع الطبي والنفسي.

في الوقت الذي كان فيه بعض المسنين يعتمدون على المعاشات الحكومية المحدودة أو مساعدات المؤسسات الدولية مثل "الأونروا"، أدى الحصار إلى تجميد أو تعطيل الكثير من آليات الدعم المالي والغذائي، ما أوقع هذه الفئة في براثن الفقر المدقع والعزلة الاجتماعية.

غياب الحماية الدولية

رغم المناشدات المتكررة من مؤسسات مثل منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، فإن المجتمع الدولي عاجز عن كسر الطوق الإسرائيلي حول قطاع غزة وتحمّل المؤسسات الحقوقية ومنها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إسرائيل المسؤولية الكاملة عن "الآثار الكارثية الناجمة عن الحصار والإغلاق"، مطالبًا بتأمين "ممرات إنسانية دائمة" وتوفير حماية خاصة للفئات الأشد هشاشة، وعلى رأسهم كبار السن.

إن ما يواجهه المسنّون في غزة اليوم يتجاوز مجرد انقطاع خدمات، ليتحوّل إلى حالة من الإقصاء القسري من الحياة. فالحصار لا يقتلهم بصاروخ، لكنه ينهكهم يومًا بعد يوم عبر الجوع، المرض، والعزلة وبينما تستمر آلة الحرب، يبقى هؤلاء في العتمة، ضحايا لا تُرى ولا تُسمع.

حرب غزة 

اندلعت الحرب الأخيرة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، في أعقاب هجوم نفذته فصائل فلسطينية ضد إسرائيل، ومنذ ذلك الحين، شنّت إسرائيل عمليات عسكرية واسعة النطاق خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى المدنيين، ودمّرت معظم البنية التحتية في القطاع، بما في ذلك المستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والكهرباء، كما فرضت حصارًا خانقًا شمل إغلاق جميع المعابر وقطع الإمدادات الحيوية بشكل شبه كامل.

وفيما تبرّر إسرائيل هذه الإجراءات باعتبارات أمنية، ترى جهات حقوقية أن ما يجري هو عقاب جماعي مخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ تنص اتفاقيات جنيف الرابعة (وخاصة المادة 33) على حظر العقاب الجماعي للسكان المدنيين، وتُلزم قوة الاحتلال بضمان تدفق المساعدات الإنسانية والسماح للمنظمات الدولية بالوصول إلى الفئات الضعيفة، بمن فيهم كبار السن والمرضى والأطفال.

وقد حذّرت مؤسسات حقوقية، بينها الأمم المتحدة، من أن الحصار والقيود المفروضة على دخول الدواء والغذاء والوقود ترقى إلى مستوى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما وصف عدد من خبراء الأمم المتحدة الوضع الإنساني في غزة بأنه "كارثة غير مسبوقة" تنذر بـ"إبادة جماعية بطيئة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية