وسط تحذيرات من تهجير قسري.. خطة إقامة مدينة إنسانية بغزة تواجه انتقادات محلية ودولية
وسط تحذيرات من تهجير قسري.. خطة إقامة مدينة إنسانية بغزة تواجه انتقادات محلية ودولية
أشعلت خطة إسرائيلية حديثة تهدف إلى نقل سكان قطاع غزة إلى ما سُمّي بمدينة إنسانية موجة غضب وانتقادات حادة من جهات فلسطينية ودولية، وصولًا إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، في ظل تحذيرات من أن المقترح يُمهّد فعليًا لطرد الفلسطينيين من أرضهم ويفتقر لأي رؤية سياسية واقعية تنهي الحرب المستمرة منذ نحو عامين.
وكشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الاثنين الماضي، عن تفاصيل الخطة خلال لقاء مع الصحفيين، موضحًا أنها تنصّ على إقامة منطقة مغلقة تُنشأ من الصفر في جنوب القطاع خلال هدنة محتملة لمدة 60 يومًا يتم التفاوض بشأنها في قطر.
وبحسب كاتس، يُفترض أن تستوعب المنطقة الإنسانية في مرحلتها الأولى نحو 600 ألف نازح من جنوب غزة، مع تجهيز أربعة مراكز لتوزيع المساعدات تُديرها منظمات دولية، وصولًا إلى استيعاب كامل سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص.
وستُطبَّق تدقيقات أمنية على الوافدين للتأكد من عدم انتمائهم لحركة حماس، ولن يُسمح لهم بمغادرة المنطقة، في حين يوفّر الجيش الإسرائيلي الأمن عن بُعد.
انتقادات داخل إسرائيل
الاعتراضات لم تقتصر على الفلسطينيين أو المنظمات الدولية فقط؛ بل امتدت لتشمل مسؤولين كبارًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وعناصر المعارضة.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، اعتبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير الخطة تشتيتًا للانتباه عن الهدفين الاستراتيجيين للحرب: هزيمة حماس وتأمين عودة الرهائن الإسرائيليين.
وحذّر مسؤولون أمنيون لم يُكشف عن أسمائهم من أن إقامة «مدينة خيام عملاقة» قد تعيد عمليًا الحكم العسكري الإسرائيلي إلى قطاع غزة، بما لذلك من كلفة أمنية وسياسية باهظة.
وهاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد المقترح أيضًا، معتبرًا أنه يندرج في إطار الأوهام المتطرفة للوزراء اليمينيين المتشددين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذين يطالبان بإعادة الاستيطان اليهودي في غزة وترحيل الفلسطينيين طوعًا.
وانتقد لابيد الكلفة الاقتصادية المقدرة للخطة والتي تراوح بين 10 و20 مليار شيكل (3–6 مليارات دولار)، قائلًا إن هذه الأموال لن تعود أبدًا، داعيًا لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن بدلًا من نهب أموال الطبقة الوسطى.
غضب فلسطيني ودولي
ردّ الفعل الفلسطيني كان أكثر حدّة؛ إذ وصفت وزارة الخارجية الفلسطينية المدينة بأنها لا علاقة لها بالإنسانية، في حين حذّرت الأونروا من أنها ستُنشئ فعليًا معسكرات اعتقال ضخمة عند الحدود مع مصر.
مسؤول فلسطيني مطّلع على مفاوضات الهدنة في قطر قال وفقًا لما أوردته لوكالة فرانس برس إن حماس رفضت كليًا هذه الخطة، معتبرة أنها تمهيد لتهجير السكان قسرًا إلى مصر أو دول أخرى.
من جهتها، حذّرت منظمة العفو الدولية من أن نقل سكان قطاع غزة داخل القطاع أو خارجه قسرًا يُعدّ جريمة حرب، وفي خطوة لافتة، وجّه 16 باحثًا إسرائيليًا في القانون الدولي رسالة إلى كاتس وزامير حذروا فيها من الأخطار القانونية للخطة، معتبرين أنها قد ترقى أيضًا إلى مستوى جريمة حرب.
أبعاد إنسانية وأمنية غائبة
خبراء وسياسيون اعتبروا الخطة مجرّد هروب إلى الأمام من مأزق الحرب دون رؤية استراتيجية لإنهائها، حيث قال ميخائيل ميلشتاين، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ورئيس برنامج الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب إنها واحدة من عدة أوهام تروّج لها القيادة الإسرائيلية، مؤكدًا غياب البنية التحتية الأساسية في المنطقة المقترحة، مثل الكهرباء والمياه، ما يجعل تنفيذها شبه مستحيل عمليًا.
وأضاف ميلشتاين أن تكلفة إعادة احتلال قطاع غزة ستكون باهظة جدًا، محذرًا من أن إدراك الجمهور الإسرائيلي لهذه الحقيقة قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة داخل إسرائيل.
وتُظهر هذه الخطة -بحسب مراقبين- أزمة أعمق داخل الحكومة الإسرائيلية، التي تبدو عاجزة عن تقديم حل سياسي حقيقي للصراع، وتلجأ بدلًا من ذلك إلى مقترحات يعتبرها مراقبون ومعارضون خطِرة وغير واقعية.
ومع اقتراب الحرب من إكمال عامين، لا يزال المدنيون الفلسطينيون في قلب المعاناة، بينما تتصاعد الخشية من أن تؤدي هذه الخطط إلى تغيير ديمغرافي في القطاع، يُعمّق مأساة النزوح ويزيد من تعقيد فرص أي تسوية سلمية في المستقبل.
حملة عسكرية غير مسبوقة
تستمر الحرب المدمّرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس وأسفر عن مقتل أكثر من 1219 شخصًا في إسرائيل، معظمهم مدنيون، بحسب إحصاءات رسمية.
وردّت إسرائيل بحملة عسكرية غير مسبوقة، خلّفت حتى اليوم أكثر من 58 ألف شهيد فلسطيني -معظمهم من المدنيين والنساء والأطفال- وفقًا لوزارة الصحة في غزة التي تُعد أرقامها موثوقة لدى الأمم المتحدة.
إلى جانب الخسائر البشرية المروّعة، تسببت الحرب في دمار هائل للبنية التحتية في القطاع؛ إذ دُمرت آلاف المباني السكنية والمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، فيما يواجه أكثر من مليوني فلسطيني خطر المجاعة ونقصًا حادًا في الأدوية والمواد الأساسية، ومع استمرار العمليات العسكرية واقترابها من إكمال عامين، يتصاعد القلق الدولي من تفاقم الكارثة الإنسانية في غياب أفق سياسي حقيقي يضع حدًا للعنف والمعاناة.