في وجه العنف والدمار.. نساء سوريا ينتفضن دفاعاً عن استقرار السويداء

في وجه العنف والدمار.. نساء سوريا ينتفضن دفاعاً عن استقرار السويداء
توترات في السويداء - أرشيف

اندلعت خلال الأيام الأخيرة اشتباكات عنيفة وغير مسبوقة في مدينة السويداء السورية، عقب عملية اختطاف تاجر على الطريق الرابط بين دمشق والسويداء، لتتحول الحادثة بسرعة إلى نزاع دموي مسلح خلّف أكثر من 130 قتيلًا ومئات الجرحى، وسط صدمة مجتمعية واسعة وتجاهل رسمي لافت. 

وترافقت هذه المواجهات مع استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة، في مشهد يعكس تصاعد الاحتقان الطائفي والاجتماعي، وغياب أي أفق لحل سياسي مستقر.

وبينما غرقت المدينة في العنف، خرج صوت مختلف من بين الدمار، وهو صوت النساء.. نساء مدينة السويداء لم يقفن هذه المرة على الهامش، بل قمن بإصدار نداءات مباشرة تطالب بالدفاع عن المدينة، وتحضّ على التمرد على الخوف، معتبرات أن "البيت الذي لا يُحمى لا يمنح صاحبه الأمان"، وأن الكرامة لا تُصان إلا بالمواجهة، ولو تطلب الأمر حمل السلاح.

جاءت هذه النداءات في وقتٍ تتصاعد فيه حدة التوتر بين مكونات المدينة، لا سيما بين بعض أبناء الطائفة الدرزية ومجموعات عشائرية بدوية، في نزاع له جذور اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكنه اتخذ مؤخرًا طابعًا طائفيًا، مستندًا إلى ضعف الدولة وفقدان الثقة بالأجهزة الرسمية.

إدانة العنف والترهيب

في هذا السياق الملتهب، أصدرت حركة "نساء زنوبيا" بيانًا شديد اللهجة، أعربت فيه عن تضامنها الكامل مع نساء وأطفال السويداء، مدينةً كل أشكال العنف والترهيب والتهجير، ومؤكدة أن النساء لسن ضحايا فقط، بل هنّ عماد المجتمع وقادرات على المساهمة في صناعة السلام. 

ودعا البيان إلى وقف فوري للعنف، واللجوء إلى الحوار، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما طالب بخلق مساحات آمنة تحفظ كرامة المدنيين وتكفل حقوقهم الأساسية.

لا تأتي هذه المطالب بمعزل عن الواقع، فمدينة السويداء، التي تعد معقلًا أساسيًا للدروز في سوريا، تعاني منذ سنوات من التهميش الاقتصادي والسياسي، وتنامي الفوضى الأمنية. 

وكانت في مقدمة المناطق التي رفضت الانخراط في الحرب، وحافظت إلى حد ما على حياد نسبي، غير أن هذه الأحداث الأخيرة بددت ذلك الاستقرار الهش، وزجّت بالمدينة في قلب أتون الانهيار السوري العام.

إعادة التوازن المجتمعي

وسط هذا الانهيار، تلعب النساء دورًا لافتًا في محاولة كبح العنف وإعادة التوازن المجتمعي، فإلى جانب المبادرات المدنية النسوية، شاركت نساء من المدينة في فعاليات ساحة المظاهرات، وأطلقن نداءات للتجمهر والتضامن الأهلي، محولات صوت الاحتجاج إلى وسيلة ضغط على كل من يحمل السلاح. 

بعض التسجيلات الصوتية التي انتشرت على وسائل التواصل، حملت نبرة حاسمة: "يا نساء السويداء، حان الوقت لنحمي مدينتنا وبيوتنا.. لا نريد أن نُقتل بصمت".

ورغم تصاعد الأصوات النسوية، تبدو المهمة شاقة في ظل استمرار التصعيد. فقد أُعلن عن وقف إطلاق نار جزئي بدعم من زعامات محلية وبعض المبادرات الدولية، إلا أن الاحتقان لم ينته، والاشتباكات لا تزال قابلة للتجدد في أية لحظة. 

بينما تستمر بعض الأطراف الخارجية، وعلى رأسها إسرائيل، في استخدام ورقة حماية الدروز لتبرير تدخلات عسكرية محدودة في محيط المدينة، كما حصل مؤخرًا بضرب أهداف عسكرية سورية بذريعة حماية الأقليات، بحسب وكالة "رويترز".

توثيق الانتهاكات

في المقابل، تستمر منظمات نسوية وحقوقية في توثيق الانتهاكات، ومناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على النظام السوري لضمان سلامة المدنيين، وتوفير ممرات آمنة، خصوصًا للأطفال والنساء. 

وتفتح تجربة السويداء الأخيرة بابًا مهمًا في هذا الاتجاه، فبينما كان يُنظر إلى النساء بوصفهن مجرد متأثرات بالحرب، أثبتت الأحداث أنهن قادرات على لعب أدوار فاعلة في التهدئة، سواء من خلال الوساطة الأهلية، أو تأطير الرفض المجتمعي للعنف، أو حتى المشاركة في لجان حماية الأحياء.

ورغم المخاطر المحيطة بهذه التجربة النسوية، تبقى واحدة من أهم المؤشرات على إمكانية خلق بديل للحلول العسكرية التقليدية، يقوم على المشاركة المجتمعية، والوعي المدني، ورفض التطبيع مع العنف كقدر محتوم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية