"صمدت في وجه التطرف".. بلدة مونغونو النيجيرية تتحول إلى ملاذ للنازحين

"صمدت في وجه التطرف".. بلدة مونغونو النيجيرية تتحول إلى ملاذ للنازحين
بلدة مونغونو النيجيرية

على أطراف الصحراء الكبرى، في أقصى الشمال الشرقي من نيجيريا، ترتفع خنادق ترابية تحيط ببلدة مونغونو، مشكّلةً خطوط صدّ أخيرة أمام تمدد جماعات العنف والتطرف. 

هنا، في ولاية بورنو التي اجتاحتها نيران الحرب لأكثر من 16 عاماً، تتجمع آلاف العائلات، فارّين من منازل أُحرقت، وحقول نُهبت، وأطفال اختُطفوا تحت جنح الظلام، بينما يسعى الجنود إلى صدّ الهجمات المسلحة، تكافح الأسر في الداخل من أجل حياة آمنة، وسط شح الغذاء، وانعدام الماء، وألم الفقدان، وفق وكالة "فرانس برس".

وفي مركز تسجيل النازحين بمونغونو، جلست حواء غاربا، أم لسبعة أطفال، تنظر إلى اللاشيء. كانت قد عادت من جنوب النيجر بعد أن قضت هناك 11 عاماً هرباً من بطش جماعة بوكو حرام. 

وقالت بصوت خافت: "في منتصف الليل، دخلوا قريتنا.. قتلوا الرجال وخطفوا الأولاد، خطفوا ابنتي عائشة ولم أرها منذ تلك الليلة".

ويُقدّر عدد النازحين في نيجيريا اليوم بأكثر من 3.6 مليون شخص، نحو نصفهم يتوزعون في ولاية بورنو، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) تقرير يناير 2025.

مدارس تتحول إلى ملاجئ

يتعرض الأطفال النازحون في مونغونو لتهديد مزدوج، فإما خطر العودة إلى مناطق النزاع، أو حياة من دون تعليم وغذاء كافٍ. 

ووفقًا لمنظمة اليونيسف، فإن ما لا يقل عن 57% من الأطفال النازحين في شمال شرق نيجيريا خارج المدرسة، فيما يعاني أكثر من 1.5 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، لا سيما في مخيمات النزوح القريبة من مونغونو.

يقول فنسان فوشيه، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إن "الجيش النيجيري نجح في منع الجماعات المتطرفة من السيطرة على المدن الكبرى، لكن القرى النائية لا تزال تُستباح بلا مقاومة حقيقية، ما يجعل المدنيين عرضة للخطر اليومي".

العبوات الناسفة تلاحق الفارين

رغم الحماية العسكرية، فإن الخطر لا يزال قائماً على الطرق المؤدية إلى مونغونو، والتي تتحول أحيانًا إلى شراك قاتلة. 

فقد سجلت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) ارتفاعاً في عدد الانفجارات الناتجة عن العبوات الناسفة عام 2024، ما أودى بحياة 418 مدنياً، ضعف عدد الضحايا في العام السابق.

يقول الميجور أولوافيمي سيينغبو، قائد وحدة نزع الألغام: "نقوم بتطهير الطرق يومياً. عبوة واحدة يمكن أن تقتل عائلة بأكملها".

مونغونو كمركز أمل

منذ سقوطها المؤقت عام 2015، تطورت مونغونو إلى ما يشبه الثكنة العسكرية. 12 نقطة تفتيش تابعة لقوة المهام متعددة الجنسيات تؤمن مداخل البلدة، حيث تنتشر القوات من نيجيريا، وتشاد، والكاميرون، وبنين.

لكن هذه التحصينات العسكرية لا تحجب القلق المتزايد بشأن إمكانية استخدام تنظيم "داعش– ولاية غرب إفريقيا" للطائرات المسيرة، كما حدث في ديسمبر 2024، عندما استهدفت الجماعة قاعدة "واجيروكو" العسكرية.

ويحذر معهد الدراسات الأمنية في إفريقيا من أن الجماعة المتطرفة "تطوّر تكتيكاتها لتستهدف المواقع الآمنة نسبياً، مما يهدد ليس فقط الجنود، بل آلاف المدنيين الذين يلوذون بتلك القواعد".

دعوات لعمل إنساني

رغم الجهود الحكومية والعسكرية، فإن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تحذر من فجوة كبيرة في تمويل الاستجابة الإنسانية في شمال شرق نيجيريا. 

ووفق خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025، فإن 6.7 مليون شخص في نيجيريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أغلبهم في ولايات بورنو، أداماوا، ويوبي.

وتؤكد أوكاويسا أيابي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في نيجيريا، أن "الحاجة الأكثر إلحاحاً هي الحماية والدعم النفسي للناجين من العنف، خصوصاً النساء والأطفال".

في مونغونو، لا يعني النجاة من الرصاص نهاية المعاناة، بل تعني حياة على الهامش، بين الذكرى والفقد، والخوف مما هو قادم. 

ورغم أن الحصون قائمة، فإن قلوب الناس ما زالت مشرعة على وجعٍ لا تداويه التحصينات، بل العدالة، والسلام، وفرص الحياة الكريمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية