سارا جوهري.. باحثة أفغانية اختفت أثناء بحثها عن الحقيقة في إيران

سارا جوهري.. باحثة أفغانية اختفت أثناء بحثها عن الحقيقة في إيران
الباحثة سارا جوهري - أرشيف

عندما غادرت الطالبة الجامعية سارا جوهري منزلها في طهران مطلع هذا الشهر، كانت تحمل حقيبة صغيرة ودفتر ملاحظات وكاميرا صوتية، وكلها أدوات بحثية اعتادت استخدامها خلال مسيرتها الأكاديمية في علم الاجتماع. 

وجهتها كانت مدينة تايباد القريبة من الحدود الإيرانية - الأفغانية، حيث كانت تأمل أن تُجري مقابلات مع مهاجرين أفغان يعيشون في ظروف قاسية، ضمن مشروع مستقل تُعدّه حول أوضاع اللاجئين في إيران، بحسب ما ذكر موقع "إيران إنترناشيونال"، اليوم الأربعاء.

سارا، ذات التسعة والعشرين عامًا، لم تصل إلى هدفها، حيث اختفت في طريقها، ولم يسمع عنها أحدٌ شيئاً منذ عشرة أيام.

صوت اختفى خلف الأسلاك

تحمل سارا جوهري إقامة قانونية في إيران وتدرس في جامعة طهران، وقد اختارت أن تكرّس رسالتها الجامعية لموضوع إنساني طالما شغفها: معاناة اللاجئين الأفغان.

في منشور سابق عبر حسابها على "إنستغرام"، شاركت سارا تفاصيل عن مشروعها، كتبت فيه: “أريد أن أسمع أصواتهم من حيث هم، لا من خلف المكاتب. لا أريد أن أكتب عنهم بل معهم”.

لكن هذا الطموح العلمي تحول إلى لعنة؛ فقد اعتقلتها الأجهزة الأمنية، وفقًا لتقارير حقوقية، من دون مذكرة قضائية، واقتيدت إلى جهة غير معلومة، ما أعاد إلى الواجهة قلقًا متزايدًا بشأن حرية البحث الأكاديمي وحقوق اللاجئين في إيران.

البحث الميداني ممنوع

بحسب منظمات حقوق الإنسان ومصادر مقربة من الأسرة، لم تتلقَّ عائلة سارا أي اتصال رسمي يوضح التهم الموجهة إليها، كما لم يُسمح لمحامٍ بزيارتها، ولم يُعلن عن مكان احتجازها حتى اليوم، في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن سلامتها الجسدية والنفسية، ولا سيما في ظل سجل إيران المثير للقلق فيما يخص ظروف الاحتجاز.

الاعتقال لم يكن مفاجئًا لمن هم في الدائرة الأكاديمية الإيرانية.. تقول ليلى، وهي باحثة اجتماعية سابقة طلبت عدم الكشف عن هويتها، مضيفة: "كل من يحاول البحث في قضايا اللاجئين أو الأقليات العرقية يُعامل على أنه مشبوه، خاصة إذا لم يكن يحمل جنسية إيرانية أو ينتمي لخلفية مهاجرة".

مدينة تايباد، حيث كانت سارا تنوي إجراء مقابلاتها، تقع في واحدة من أكثر المناطق حساسية في البلاد؛ فهي نقطة عبور رئيسية للاجئين من أفغانستان، وتشهد منذ سنوات تشديدًا أمنيًا مكثفًا بسبب حركة اللاجئين غير النظاميين والتهريب الحدودي.

لكن سارا لم تكن مهاجرة سرية، ولم تكن تخطط للهروب أو تمرير معلومات، كانت ببساطة طالبة علم، تحاول أن تمنح وجوهًا لمن كان مجرد رقم في تقارير المنظمات.

لماذا تُخيف الحقيقة؟

يُقدّر عدد اللاجئين الأفغان في إيران بأربعة ملايين شخص، كثير منهم يعيش في أوضاع قانونية غير مستقرة، ويواجه قيودًا صارمة في مجالات التعليم، العمل، والسكن. 

وعلى الرغم من أن بعضهم لجأ إلى إيران هربًا من الحروب والاضطهاد، فإن الحديث عن أوضاعهم –سواء إعلاميّاً أو أكاديميّاً– أصبح بمنزلة خط أحمر غير معلن.

وتقول منظمة هيومن رايتس كارون التي تابعت القضية، إن ما حدث مع سارا "يكشف نمطًا مقلقًا من التضييق على الأكاديميين، خاصة النساء المهاجرات"، مضيفة أن "إسكات الباحثين هو وجه آخر لانتهاك الحق في المعرفة، والحق في الكرامة".

"نريد أن نسمع صوتها"

في طهران، تنتظر عائلة سارا أي إشارة منها. والدتها التي رفضت التحدث إلى وسائل الإعلام خوفاً من تبعات ذلك، تواصل كل صباح زيارة مكتب الشكاوى في وزارة الداخلية، وتسأل بلا إجابة: "هل يمكن أن يُسجن إنسان فقط لأنه يحمل قلماً؟".

ويعيش المجتمع الجامعي في إيران حالة من التوجس.. كثيرون ممن يعرفون سارا جوهري يتجنبون الحديث عنها في العلن، فيما فضل البعض حذف منشوراتهم السابقة التي تُشير إلى تعاون علمي معها، خوفًا من أن يُدرجوا على قائمة الرصد الأمني.

غياب سارا جوهري ليس فقط غياب جسد، بل هو تغييب لصوت أكاديمي حاول أن يرسم صورة إنسانية لقضية المنسيين. 

وبين حدود الخوف وحدود الجغرافيا، تقف قصة هذه الباحثة شاهدة على ما يمكن أن تواجهه امرأة مهاجرة، تسعى فقط لفهم واقع موجوع، فوجدت نفسها جزءًا من وجعه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية