"مجزرة يليواتا".. تصاعد العنف بولاية بينو يثير الجدل حول الأمن في نيجيريا
"مجزرة يليواتا".. تصاعد العنف بولاية بينو يثير الجدل حول الأمن في نيجيريا
شهدت ولاية بينو، الواقعة في الحزام الأوسط الأكثر تنوعًا إثنيًا في نيجيريا، سلسلة من الهجمات الدامية التي أسفرت عن مقتل المئات وتشريد الآلاف، وسط تصاعد التحذيرات من خطر انهيار الأمن الداخلي.
وتفاقم الوضع في منتصف يونيو الماضي، عندما تعرّضت قرية يليواتا لهجوم دموي أسفر عن مقتل أكثر من 200 مدني، بينهم نازحون لجؤوا مسبقًا إلى المنطقة هربًا من عنف سابق، بحسب ما ذكر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الأربعاء.
وبحسب المركز، فإن الهجوم لم يكن معزولًا في توقيته أو مكانه، بل جاء تتويجًا لشهرين من التصعيد الدموي، امتد من محليات جوما وجوير وأبا، قبل أن يبلغ ذروته في يليواتا.
وبحسب مصادر محلية، فإن منفذي الهجمات ينتمون إلى جماعات مسلحة مرتبطة برعاة الفولاني القادمين من شمال البلاد ودول الجوار، استهدفت قرى تسكنها جماعات التيف والإيدوما الزراعية، باستخدام نمط ممنهج من العنف شمل الإعدامات الجماعية، والحرق، والنهب، وإحراق المحاصيل.
معسكرات تحوّلت إلى مقابر
تميّزت الهجمات الأخيرة ليس فقط بكثافة ضحاياها، بل بطابعها الرمزي أيضًا، إذ استهدفت من نزحوا أصلًا من موجات عنف سابقة، ما كشف عن إخفاق الدولة في توفير الحد الأدنى من الحماية للمجتمعات الضعيفة.
وتشير تقديرات محلية إلى مقتل ما لا يقل عن 600 شخص خلال الهجمات التي وقعت في مايو ويونيو وحدهما، وأكثر من 3000 نازح جديد.
ولا تمثل الهجمات تطورًا جديدًا بحد ذاتها، إذ تشير بيانات مشروع بيانات العنف المسلح (ACLED) إلى أن ولاية بينو سجّلت 722 هجومًا بين عامي 2015 و2024، أسفرت عن مقتل أكثر من 3200 شخص، غالبيتهم من المدنيين، كما تؤكد بيانات غير رسمية سقوط أكثر من 1000 قتيل خلال العامين الأخيرين فقط.
استجابة أمنية متأخرة
رغم فداحة الخسائر، جاءت استجابة الدولة متأخرة ومحدودة، فقد زار الرئيس بولا تينوبو الولاية بعد مجزرة يليواتا، وأعلن عن تشكيل لجنة سلام من زعماء محليين، داعيًا إلى "حل دائم" للعنف.
وزار قادة الجيش والشرطة المناطق المتضررة، وأعلنوا عن عمليات عسكرية لملاحقة منفذي الهجمات في ولاية ناساراوا المجاورة.
لكن العديد من الأصوات المحلية عبّرت عن امتعاضها من هذه التحركات التي وُصفت بـ"السطحية"، مشيرة إلى تكرار تحذيرات المجتمع المحلي من هجمات وشيكة دون أن تُقابل بأي استجابة استباقية.
وأثار غياب المحاكمات والإدانات القضائية الفعالة جدلًا واسعًا، إلى جانب المقارنة مع الحضور الأمني الكثيف والطويل في شمال شرق البلاد، ما غذّى خطابًا محليًا يتهم الحكومة الفدرالية بـ"الإهمال المتعمّد" أو حتى التواطؤ.
منعطف إثني خطير
قال الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه رغم أن الصدامات بين الرعاة والمزارعين في نيجيريا ظلت تقليديًا مرتبطة بالتنافس على الموارد، إلا أن هجمات بينو الأخيرة تعكس تحولًا خطيرًا نحو التسييس الإثني والديني للصراع، خاصة أن غالبية الضحايا من مجتمعات مسيحية (تيف وإيدوما) بينما ينتمي الرعاة المتهمون إلى جماعة الفولاني ذات الغالبية المسلمة.
وتابع: “رغم أن العوامل البيئية والتغير المناخي ونقص الموارد تلعب دورًا في تغذية هذا العنف، فإن التماهي بين الانتماء الإثني والديني والاقتصادي سهّل على بعض الفاعلين السياسيين استخدام خطاب تعبوي يصعّد من الانقسام المجتمعي”.
وقال إن زعماء محليون عبروا عن شعورهم بالعزلة، حيث اتهموا الدولة الفيدرالية ليس فقط بالإهمال، بل بـ"السكوت عن استراتيجية ممنهجة لتفكيك مناطق جنوبية عبر زرع الفوضى الأمنية".
محدودية الأمن المحلي
تابع د. أمل، أنه لم تكن ولاية بينو غافلة عن التهديدات، ففي 2017، سنت الولاية قانونًا لمنع الرعي المفتوح، وأطلقت وحدات أمنية محلية كمثل حراس الغابات وقوة مكافحة الرعي المفتوح.
وقال إن الولاية شهدت انخفاضًا نسبيًا في الهجمات، ولكن على المدى الطويل، عجزت هذه التدابير عن الصمود، خاصة في مواجهة التوسع الديمغرافي والهجرة الداخلية من الشمال، وتسلل جماعات مسلحة من خارج الولاية.
وأضاف أنه مع دخول القانون حيّز التنفيذ الكامل في 2024، تم تسجيل آلاف المخالفات ومصادرة آلاف مخنن رؤوس الماشية، ما أدى إلى ردود فعل عنيفة من المجتمعات الرعوية التي اعتبرت الإجراءات "إقصائية" وتستهدف الفولاني بالأساس، ما زاد من حدة التوتر بدلًا من احتوائه.
عنف متداخل مع الإرهاب والانفصال
اعتبر د. أمل أن خطورة الوضع تزداد عندما يوضع في سياق أوسع يشمل تهديدات أخرى تشهدها نيجيريا، فقد ربط الجيش النيجيري بين هجمات بينو وبين حركة المقاتلين من شمال البلاد، حيث تنشط جماعات إرهابية كـ"بوكو حرام" و"تنظيم ولاية غرب إفريقيا" (ISWAP).
وكانت الأجهزة الأمنية قد حذرت في عام 2022 من تسلل عناصر إرهابية إلى ولايات محاذية لبينو، ما يزيد احتمال انزلاق الولاية إلى ساحة نزاع أمني مركب.
كما استغلت جماعات انفصالية مثل "الشعوب الأصلية لبيافرا" (IPOB) الحادث لتوجيه اتهامات للحكومة0 الفدرالية، متحدثة عن "غزو ممنهج" من رعاة الفولاني للأقاليم الجنوبية، في خطاب يعيد إلى الأذهان روايات الانقسام الأهلي والنزعة الانفصالية التي أشعلت الحرب الأهلية في نيجيريا بين عامي 1967 و1970.
مجزرة يليواتا نموذج مأساوي
تُعد مجزرة يليواتا نموذجًا مأساويًا لفشل بنية الأمن النيجيرية في التصدّي لنزاعات محلية قابلة للانفجار، إذ لم يعد الصراع في بينو مجرد تنافس على المراعي والمزارع، بل تحوّل إلى صراع إثني مفتوح ينذر بموجات جديدة من العنف الممنهج، وتهجير جماعي، وربما حتى تطهير عرقي في حال غياب استجابة جذرية وشاملة.
ومع ازدياد الضغط على قوات الجيش في الشمال الشرقي، واستمرار الاحتقان في الجنوب الشرقي، تبدو نيجيريا أمام تحدٍ بنيوي، لا يمكن تجاوزه سوى بإصلاحات سياسية عميقة، وضمان حضور الدولة ومؤسسات العدالة، واستعادة ثقة المجتمعات المحلية، التي بدأت تتآكل أمام مشهد يتكرر فيه الموت بلا مساءلة.-