انخفاض دخل العمال المهاجرين.. فجوة تمييزية تتجاوز الفجوة في الأجور

انخفاض دخل العمال المهاجرين.. فجوة تمييزية تتجاوز الفجوة في الأجور
مهاجرون في ألمانيا - أرشيف

كشفت دراسات اقتصادية واجتماعية حديثة عن واقع مُقلق يعيشه ملايين المهاجرين في أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا، حيث لا تزال الفجوة في الأجور والدخل بين السكان المحليين والمهاجرين واسعة على نحو يعكس خللًا بنيويًا يتجاوز مجرد تفاوت المهارات أو الكفاءة، إذ يُعاني المهاجرون –خصوصًا من الجيل الأول– من تمييز هيكلي وعنصرية مؤسسية تُقيد وصولهم إلى الوظائف ذات الأجور الأعلى، وتحرمهم من فرص التقدم المهني، حتى في ظل توافر المؤهلات والمهارات اللازمة.

وقد أصبحت ألمانيا، التي تُعد من أكبر اقتصادات أوروبا وأكثرها اعتمادًا على اليد العاملة الأجنبية، مثالًا بارزًا على هذه الأزمة المعقدة، فبينما تُطلق الحكومة الألمانية برامج لتوظيف المهارات الأجنبية ومواجهة نقص العمالة، تُظهر البيانات أن المهاجرين لا يزالون يُعانون من فجوات دخلية تصل إلى 20% في بعض الحالات، بسبب صعوبات الاندماج، والحواجز اللغوية، والأهم من ذلك التمييز العنصري الصامت أو المعلن في بيئة العمل.

ويأتي هذا في وقت تتزايد فيه الأصوات الحقوقية والاقتصادية المطالِبة بتغيير حقيقي في السياسات العامة، لا يقتصر فقط على تسهيل استقدام العمالة، بل يشمل أيضًا ضمان تكافؤ الفرص، وتفكيك العقبات الهيكلية التي تمنع المهاجرين –وأحفادهم– من تحقيق مساواة حقيقية مع السكان المحليين.

وفي ظل التحديات الديموغرافية والاقتصادية التي تواجهها أوروبا، تبدو معالجة هذه الفجوة الاقتصادية ذات الطابع العنصري ليس فقط أولوية اجتماعية، بل أيضًا ضرورة اقتصادية ملحة، لضمان استدامة سوق العمل والاستفادة الكاملة من الموارد البشرية المتاحة.

أكثر من 13.5 مليون عامل

وحللت دراسة حديثة نفذت بتكليف مجلة "نيتشر" وبمشاركة معهد IAB في نورنبرج الألمانية، بيانات أكثر من 13.5 مليون عامل مهاجر ومواطن في تسع دول. 

وأظهرت النتائج أن الفجوة في الدخل لصالح المواطنين المحليين تفوق بمراحل بين المهاجرين من الجيل الأول، بنسبة 19.6% في ألمانيا، بينما بلغت أعلى نسب الفجوة في إسبانيا (29.3%) وكندا (27.5%) والنرويج (20.3%)، وكانت الأصغر في الولايات المتحدة (10.6%) والدنمارك (9.2%) والسويد (7%) . 

وتؤكد النتائج أن السبب ليس تفاوت الأجور مقابل العمل المتماثل فقط، بل محدودية وصول المهاجرين إلى المهن والقطاعات ذات الأجور الأعلى، مما يمثل سبباً رئيسياً لنحو 75% من الفجوة.

العنصرية والتمييز في العمل

وكشفت الدراسة أن العنصرية تشكل خطراً واضحًا على فرص المهاجرين في سوق العمل، وتتسبب في رفع احتمالات الفقر بمقدار مرتين إلى سبع مرات مقارنة بالألمان، فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر بين المسلمين في ألمانيا 41% للرجال و38% للنساء، بينما لم تتجاوز النسبة 5% لدى المواطنين بدون خلفية مهاجَرة. 

وربطت الدراسة العنصرية في التوظيف بعدم استقبال أصحاب الأسماء ذات الطابع العرقي أو الديني، ما أعاق فرصهم في تأمين عمل لائق حتى عند توفر مؤهلات قوية.

وتبين أن نحو 56% من العمال المهاجرين المهرة أفادوا بأنهم تعرضوا للتحيز في المجالات المهنية، سواء في التوظيف أو السكن أو التعامل مع السلطات، واعتبر 93% منهم أن الخلفية العرقية هي السبب الرئيسي . 

وخلال أزمة كوفيد-19، تعرض العمال المهاجرون في ألمانيا لتمييز أثناء إجراءات الفصل: إذ كانوا أكثر عرضة للطرد بفارق يصل إلى ثلاثة أضعاف العاملين المحليين في القطاعات الأكثر تضرّراً، مع عدم ورود فروقات في الإنتاجية تُبرر الفروق في الفصل.

عاملان رئيسيان وراء الفجوات 

أظهرت التحليلات الاقتصادية أن هناك عاملين رئيسيين وراء الفجوات: أولا المجاميع المتكدسة من الخبرة المهنية واللغة والتعليم المحلي (الأصل الوطني)، وثانيًا، التمييز الصريح وغير المباشر الذي يمنع المهاجرين من الوصول إلى مناصب ذات أجر أعلى أو الترقي داخل الشركات. 

وتشير بعض الدراسات إلى ظاهرة "الأسقف الزجاجية" (glass ceiling) و"الأرضية اللزجة" (sticky floors) في سوق العمل الألماني، المهاجرون يصنفون غالبًا في وظائف أدنى بأجور منخفضة ولا يحصلون على التدرج الوظيفي المناسب حتى مع مؤهلات ممتازة.

ورغم حملات توظيف المهاجرين المهرة، خاصة في شرق ألمانيا مثل مدينة Chemnitz، إلا أن بعض الشركات فقدت موظفين دوليين بسبب مناخ معادٍ، بما في ذلك تصاعد الكراهية العنصرية وممارسات التمييز اليومية، وتعد هذه الظاهرة تهديدًا للاقتصاد الألماني الذي يتوقع نقصًا يقدر بـ7 ملايين عامل ماهر بحلول 2035.

خفض فجوة الأجور 

يتطلب خفض فجوة الأجور سياسات تتيح الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية، وتسهيل التحاق المهاجرين فقط بالمهن ذات قيمة أعلى، إلى جانب توفير دورات لغة وصقل مهارات السوق.

ويتطلب الأمر مكافحة العنصرية النظامية والمهنية عبر قوانين أكثر صرامة لحماية العمال من العنف اللفظي والتمييز في أماكن العمل والمقاضاة الفعالة للجرائم العنصرية.

بالإضافة إلى تشجيع التمويل لمبادرات تكاملية وشبكات مهنية تدعم المهاجرين في بناء شبكة علاقات مهنيّة تضاهي المحلية، وتعزيز الشفافية في التوظيف مثل تجربة إرسال CV بأسماء مختلفة، لتقييس التوظيف ومنع التمييز في الاختيار الأولي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية