حصار الحجاب والقوانين.. كيف تُسجن المرأة الأفغانية تحت قبضة سلطات طالبان؟
حصار الحجاب والقوانين.. كيف تُسجن المرأة الأفغانية تحت قبضة سلطات طالبان؟
بعد أكثر من عقدين من الأمل الهش الذي شهدته أفغانستان عقب سقوط حكم طالبان الأول عام 2001، عادت النساء والفتيات الأفغانيات ليجدن أنفسهن أمام جدار قمعي جديد، أشد صلابة وأكثر تنظيمًا، فمنذ أغسطس 2021، لحظة عودة طالبان إلى السلطة، أخذت حقوق النساء منحى انحدارٍ مأساويٍ يُعيد البلاد عقودًا إلى الوراء ويهدد بنسف أي إمكانية للنهوض الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل.
ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها الأفغانيات إلى قمع ممنهج وفق تقرير نشرته “هيومن رايتس ووتش” اليوم الاثنين، فخلال فترة حكم طالبان الأولى (1996-2001)، حُرمت النساء من التعليم والعمل وأُجبرن على التزام منازلهن تحت قوانين صارمة تختزل وجودهن في كونهن تابعات، وعندما أُطيح بالحركة في 2001، بزغت شرارة أمل؛ عادت الفتيات إلى المدارس والجامعات.
وبرزت النساء في الإعلام والقضاء والبرلمان، لكن هذا التقدم الهش انهار كليًا مع عودة طالبان، لتُغلق المدارس وتُطرد النساء من وظائفهن ويُحاصرن داخل بيوتهن مجددًا.
تجريدٌ متواصلٌ من أبسط الحقوق
إن الاعتقالات الأخيرة لعشرات النساء والفتيات في كابول منذ منتصف يوليو الماضي، بذريعة "سوء ارتداء الحجاب"، لم تكن سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تُفرغ حياة النساء من كل مقومات الاستقلال، فمرسوم "الرذيلة والفضيلة" الذي أُعيد تفعيله عام 2024 يفرض غطاءً كاملاً على النساء، ليس فقط لأجسادهن بل لأصواتهن وأحلامهن.
منع الفتيات من التعليم الثانوي والجامعي هو ربما أقسى أوجه هذا القمع، إذ تُحرم ملايين الفتيات من حق أساسي يُشكل نافذتهن الوحيدة لمستقبل أفضل، وفقًا لتقارير بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (UNAMA)، تقدر أعداد الفتيات المحرومات من التعليم الثانوي بالملايين، في حين تُغلق الجامعات أبوابها أمام الطالبات تحت ذرائع دينية واجتماعية.
أما في سوق العمل، فقد مُنعت النساء من غالبية الوظائف في القطاعين العام والخاص، وصولًا إلى حظر عملهن في منظمات الإغاثة. هذا التقييد لا يحدّ فقط من استقلال النساء الاقتصادي، بل يضرب عصب الاقتصاد الأفغاني كله، ويُغرق آلاف الأسر التي كانت تعولها النساء في دوامة فقرٍ متصاعدة.
حرية التنقل هي الأخرى تلاشت تقريبًا؛ فالمرأة اليوم لا يمكنها السفر لمسافة طويلة أو حتى التنقل داخل المدن بدون "محرم" من أقاربها الذكور، بينما يُخضع المخالفات لعقوبات تصل للاعتقال والتعنيف.
إن القوانين التي تُلزم النساء بتغطية وجوههن بالكامل، تُحوّل حضورهن إلى طيف باهت لا ملامح له. هي محوٌ ممنهجٌ لهوية المرأة وحقها في الظهور ككائن مستقل.
أزمات نفسية عميقة
وراء هذه السياسات القمعية، تتفاقم أزمة نفسية صامتة؛ إذ تُشير تقارير لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى تزايد حالات الاكتئاب ومحاولات الانتحار بين النساء والفتيات، فالحرمان من الحق في الدراسة والعمل والتواصل مع العالم يزرع بذور العزلة واليأس، ويُحرم الأجيال من أبسط مقومات الأمل.
ولم تتوقف المنظمات الحقوقية والأممية عن توثيق هذه الانتهاكات وفضحها أمام العالم. فقد صرحت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن السياسات المفروضة من طالبان تُشكل "جريمة محتملة للفصل العنصري على أساس الجنس"، وهي تسمية ذات ثقل قانوني قد تُشكل أساسًا للمساءلة مستقبلاً.
أما منظمة العفو الدولية، فقد وصفت وضع المرأة الأفغانية بأنه "كارثي بكل المقاييس"، مؤكدة أن تقييد حقوق نصف السكان يُعرقل أي جهود إغاثية وإنسانية، ويُحول أفغانستان إلى ساحة مأساة مستمرة.
كسر الصمت بالقصص والصور
رغم القيود الشديدة، نقلت صحف كبرى مثل "نيويورك تايمز"، "الغارديان"، و"بي بي سي" شهادات مباشرة من نساء يخضن معركة البقاء بكرامة وسط حصار طالبان. تُظهر هذه القصص الصغيرة –من فتيات يُدرسن سرًا في منازل سرية، إلى نساء يُدرن مشاريع منزلية متخفية – كيف تحاول الأفغانيات التمسك بشعاع نور وسط العتمة.
الأرقام الرسمية شحيحة بسبب القيود على حرية الصحافة والتوثيق المستقل، لكن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 2.5 مليون فتاة حُرمن من الدراسة، وأن مئات الآلاف من النساء فقدن أعمالهن منذ 2021، وتشير تقارير أممية إلى أن نحو 90% من الأسر التي تعولها نساء تواجه مخاطر الفقر المدقع.
تداعيات على البلاد
إن حرمان نصف المجتمع من حقوقه يُعطل التنمية الاقتصادية والاجتماعية برمتها. كيف يمكن لبلد أن يتعافى ويزدهر إذا أُقصيت النساء من التعليم والعمل واتخاذ القرار؟ الفقر سيتضاعف، والاعتماد على المساعدات الخارجية سيستمر، بينما الأمل يتآكل عامًا بعد عام.
في ظل الاعتراف الدولي الخجول بجرائم طالبان ضد النساء، تبرز الحاجة إلى تحركات ملموسة تتجاوز الإدانات. تدعو منظمات حقوقية إلى:
الاعتراف الدولي بـ"الفصل العنصري على أساس الجنس" كجريمة ضد الإنسانية وفرض عقوبات محددة على قادة طالبان المسؤولين عن هذه السياسات.
دعم الأصوات النسائية والمدافعات عن حقوق الإنسان داخل أفغانستان وفي الشتات، وتسهيل اللجوء للنساء الأكثر عرضة للخطر وتأمين ملاذات آمنة لهن ولعائلاتهن.
رغم هذا القمع الممنهج، لا تزال النساء الأفغانيات يُرسلن رسائل مقاومة صامتة، تقول "ناهد"، وهي ناشطة سرية: "كل جدار يبنونه لعزلنا، سنجد فيه ثغرة، حتى لو كانوا يملكون السلاح والسلطة، نحن نملك الحلم".