أوكرانيا تُواجه أزمة تجنيد قسري.. 500 تحقيق يسلّط الضوء على انتهاكات متصاعدة
أوكرانيا تُواجه أزمة تجنيد قسري.. 500 تحقيق يسلّط الضوء على انتهاكات متصاعدة
تعهد كبار المسؤولين الأوكرانيين بتحسين آليات التجنيد الإجباري عقب سلسلة من الحوادث العنيفة التي أثارت غضبًا شعبيًا، في وقت يُحذّر فيه الجيش من نقص في القوى البشرية قد يُضعف قدرته على مواجهة الهجوم الروسي المستمر.
ووفقا لتقرير نشرته اليوم الاثنين، صحيفة "فايننشيال تايمز"، رفض رئيس الجمهورية الأوكرانية خفض سن التجنيد الإجباري إلى ما دون 25 عامًا، مشددًا على عدم استعداده "للتضحية بالجيل المقبل من الأوكرانيين"، أدى هذا القرار إلى تقليص عدد الشباب المؤهلين للخدمة العسكرية، فيما تتقدم القوات الروسية على امتداد جبهة قتالية يبلغ طولها 1000 كيلومتر.
ووثّقت مقاطع مصوّرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لحظات اقتياد رجال أوكرانيين من الشوارع بصورة عنيفة وإجبارهم على دخول شاحنات، وسط اشتباكات لفظية وجسدية مع السكان المحليين، وأعلنت السلطات الأوكرانية فتح تحقيق بشأن وفاة رجل في مدينة ميكولايف، وأفادت تقارير بأنه قفز من جسر أثناء فراره من عناصر التجنيد.
طالب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، الفريق أول أوليكساندر سيرسكي، بوقف هذه التجاوزات، وأكد في تصريحات صحفية خلال شهر يونيو أنّ "التعبئة لا يجب أن تكون صادمة للناس"، داعيًا مراكز التجنيد إلى الالتزام بالسلوك المهني وتفادي الانتهاكات.
وأصدر الجيش كتيّبًا توجيهيًا من خمسين صفحة يتضمّن قواعد التعامل مع المواطنين، وأساليب خفض التصعيد أثناء تنفيذ مهام التجنيد، وأُعلن عن محاسبة الضباط المتورطين في حالات التجنيد القسري.
احتجاجات ضد فرق التجنيد
واصلت مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقاطع مصوّرة توثّق ممارسات مشابهة، من بينها حادثة جرت في مدينة أوديسا، حيث ظهر رجل يُدفع إلى شاحنة بلا لوحات تعريفية، دفعت هذه الحوادث وزير الدفاع الجديد، دينيس شميهال، إلى المثول أمام البرلمان، حيث أصرّ على أن "التعبئة تسير وفق الخطة"، مشيرًا إلى أن القضاء على التجنيد القسري يتطلب تحسين الإدارة وتعزيز ثقة المواطنين بالقادة العسكريين.
اندلعت مواجهات جديدة في مدينة فينيتسا وسط البلاد، عندما تجمّع نحو 80 شخصًا قرب ملعب للمطالبة بالإفراج عن رجال اعتُقلوا مؤخرًا ونُقلوا إليه، وحاول عدد من المتظاهرين اقتحام المكان، حسب ما أفادت الشرطة المحلية.
سجّل مكتب النائب العام الأوكراني أكثر من 500 تحقيق خلال النصف الأول من عام 2025 في قضايا تتعلق بعرقلة أنشطة الجيش، مقارنةً بـ200 قضية في الفترة ذاتها من عام 2024، لا تنحصر هذه الوقائع بالعنف الجسدي فقط، بل تشمل إنشاء مجموعات دردشة تُحذّر من دوريات التجنيد.
وفي مدينة بولتافا، قدّم مركز التجنيد العسكري طلبًا لفتح تحقيق بعد أن اعترضت مجموعة من السكان شاحنة تنقل مجندين جدد، وسمحوا لبعضهم بالفرار، كما اعتقلت الشرطة امرأة في مدينة كريمينشوك بتهمة رشق أفراد التجنيد بالحجارة خلال مشادة جماهيرية.
وأوضح المتحدث باسم مكتب التجنيد في بولتافا، رومان إستومين، أن "التجنيد هو واجب إلزامي، وعلى المواطنين مسؤولية الدفاع عن الوطن"، مضيفًا: "ربما يفسر ذلك الكراهية لمكاتب التجنيد، فبصراحة نحن نُجبر الناس على أداء واجبهم".
رشاوى الهروب من التجنيد
دفع استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد الخسائر البشرية،عشرات الآلاف من الرجال لمحاولة التهرب من الخدمة العسكرية، غالبًا من خلال دفع رشاوى باهظة، في إحدى الحالات، دفع رجل من أوديسا 5000 دولار للحصول على تقرير طبي مزوّر يسمح له بمغادرة البلاد، وهي ظاهرة تتكرر على نطاق واسع وسط تقاعس رسمي وتواطؤ من داخل النظام الصحي والتجنيدي.
يتزايد الضغط على الرجال غير المتحمسين للقتال، وسط ملاحقة فرق التجنيد لهم في الشوارع والمنازل، وتداول بيانات مواقعهم عبر مجموعات تيليجرام تضم عشرات الآلاف، وبينما لا يستطيع الجميع تحمل تكلفة الرشوة، يُظهر البعض استعدادًا للامتثال للتجنيد، وإن على مضض.
وانتقلت الاحتجاجات إلى غرب البلاد، حيث حاصر سكان قرية في تيرنوبل دورية تجنيد الشهر الماضي. وفي مايو ، أغلق نحو 100 شخص طريقًا أمام مركبة تجنيد في مدينة كاميانيتس-بوديلسكيي، وهاجموا الضباط وأتلفوا إطارات سيارتهم.
وأقرّت القيادة العملياتية للتجنيد في غرب أوكرانيا، في بيان نادر، بارتفاع عدد الهجمات ضد ضباطها، مُشيرةً إلى وقوع 12 اشتباكًا على الأقل منذ مطلع العام.
وذكّرت القيادة المواطنين بقولها: "عدونا لا يرتدي الزي الأوكراني، بل ينتظر على الطرف الآخر من خط المواجهة".
في الوقت نفسه، حذّر المتحدثون العسكريون من أن روسيا قد تكون بصدد تضخيم أو اختلاق هذه الحوادث ضمن حملة تضليل ممنهجة، أشارت قيادة القوات البرية إلى أنّه من بين 256 بلاغًا بشأن صدامات مع فرق التجنيد في يونيو، يجري التحقق من 36 حالة فقط، ووصفت البقية بأنها "ملفّقة أو مضلّلة".
اتهم مسؤولون أوكرانيون روسيا باستخدام الطائرات المُسيّرة لقصف مكاتب التجنيد بدءًا من يونيو، في تكتيك يُعتقد أنه يستهدف عرقلة جهود التعبئة، وزعمت كييف أن موسكو بدأت بتجنيد مراهقين عبر تطبيق تيليغرام لتنفيذ هجمات ضد مراكز التجنيد داخل الأراضي الأوكرانية.
توسيع التطوع العسكري
سعى المسؤولون في كييف إلى تحسين صورة التجنيد عبر تشجيع الانضمام الطوعي، وقع رئيس الجمهورية فولوديمير زيلينسكي قانونًا يتيح للرجال فوق الستين عامًا التعاقد طوعيًا لخدمة مدتها عام واحد، كما يشمل القرار الشباب بين 18 و24 عامًا الذين لا يشملهم التجنيد الإجباري.
وقال مستشار وزارة الدفاع، أوليكسي بيزيفيتس، إن هذه المبادرة تهدف إلى "كسر نمط التجنيد الإلزامي المُربك والغامض"، وخلق مسار طوعي بديل.
أكد زيلينسكي أن الجيش قادر على استيعاب 27 ألف مجند شهريًا، ورغم امتناع السلطات عن الإعلان عن النقص الفعلي في الخطوط الأمامية لأسباب أمنية، تُحذّر القيادات العسكرية من أن عدد الجنود المتمركزين في نقاط الدفاع لا يكفي لمواجهة الهجمات الروسية.
ويرى محللون مستقلون أن روسيا قد تكون بصدد تجنيد أكثر من 30 ألف جندي شهريًا، معظمهم متطوعون جذبهم ارتفاع قيمة المكافآت المالية.
لكن أوكرانيا لا تزال تعتمد في الغالب على التجنيد الإجباري، حيث لا تتجاوز نسبة المتطوعين الجدد 10%، وفقًا لما أعلنه فيدير فينيسلافسكي، عضو لجنة الأمن القومي والاستخبارات في البرلمان.
أزمة ثقة بالمؤسسات
كشفت استطلاعات رأي أجرتها وكالة "إنفو سابينس" للأبحاث الاجتماعية في أبريل 2025 عن أن 77% من المشاركين لا يثقون بمكاتب التجنيد، رغم أن 93% أعربوا عن ثقتهم في الجيش الأوكراني كمؤسسة.
وقالت نائبة مدير الوكالة، إينا فولوسيفيتش، إن هذه النتائج "تعكس عدم الثقة بالمؤسسات الحكومية بشكل عام، وهي نفس النسبة تقريبًا في ما يخص القضاء أو أجهزة الأمن".
وأسهمت قرارات زيلينسكي الأخيرة، لا سيما ما يتصل بإقالة مسؤولي هيئات مكافحة الفساد المستقلة، في تراجع شعبيته، رغم تراجعه لاحقًا عن بعض الإجراءات تحت ضغط داخلي وخارجي.
وصرّح المدير التنفيذي لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، أنطون هروشيفسكي، بأن الغالبية تعي الحاجة إلى التعبئة، لكنها تتوقع "عدالة متساوية في تطبيق القانون".
وأضاف: "يريد الناس أن يروا أن أبناء المسؤولين يُجنّدون كذلك، وألّا تكون هناك حصانة لأحد".