في عالم رقمي متغير.. الذكاء الاصطناعي يزاحم الإعلام ويهدد استدامة الصحافة

في عالم رقمي متغير.. الذكاء الاصطناعي يزاحم الإعلام ويهدد استدامة الصحافة
الذكاء الاصطناعي - أرشيف

في وقت يعاني فيه قطاع الإعلام من أزمات مالية وهيكلية ممتدة منذ أكثر من عقد، جاءت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل "تشات جي بي تي"، لتضيف تحدياً جديداً يهدد استدامة الصحافة وجودتها. 

وبدأت هذه البرامج تقلص من عمليات البحث التقليدية على الإنترنت وتحرم المواقع الإخبارية من جزء كبير من زيارات القراء، وبالتالي من عائدات الإعلانات والاشتراكات التي تشكل شريان الحياة للمؤسسات الإعلامية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين.

ويرى خبراء أن السنوات القليلة المقبلة ستكون "بالغة الصعوبة" بالنسبة لوسائل الإعلام، إذا لم تتكيف بسرعة مع البيئة الرقمية الجديدة التي تشكل فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي لاعباً محورياً في صناعة وتوزيع المحتوى.

تأثير على حركة القراء

تشير دراسة صادرة عن مركز "بيو ريسيرتش سنتر" إلى أن تلخيص نتائج البحث الذي توفره خوارزميات الذكاء الاصطناعي يقلل من رغبة المستخدمين في التعمق، إذ ينخفض معدل النقر على الروابط إلى النصف مقارنة بالبحث التقليدي. 

وهذا يعني أن نسبة كبيرة من القراء لم تعد تزور المواقع الإخبارية مباشرة، ما يحرمها من فرص كسب الإيرادات الإعلانية وحتى الاشتراكات المدفوعة، والتي تعتمد أساساً على حجم الزيارات.

ويحذر الباحث في جامعة نورث إيسترن، جون وِهبي، من أن هذا الاتجاه "سيتسارع" في السنوات المقبلة، ما سيغير ملامح الإنترنت كما نعرفه، ويؤثر جذرياً على تدفق المعلومات المستقلة.

مأزق حماية المحتوى

إلى جانب الانخفاض في العائدات، تواجه المؤسسات الإعلامية معضلة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، حيث تتهم العديد منها شركات الذكاء الاصطناعي باستخراج محتواها وتدريبه على نماذجها دون إذن أو مقابل مادي عادل. 

ورفعت مؤسسات مرموقة، مثل "نيويورك تايمز"، دعاوى قضائية ضد شركات كبرى مثل "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت"، مطالبة بتعويضات وضمانات لحقوق النشر.

بالمقابل، فإن منع أدوات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى المحتوى قد يقلل من ظهور المؤسسات الإعلامية في نتائج هذه الأدوات، ما يضع الناشرين أمام خيار صعب بين حماية حقوقهم أو الحفاظ على الحضور الرقمي.

البحث عن حلول

بعض وسائل الإعلام لجأت إلى تطوير استراتيجيات تحسين محركات البحث التوليدية (GEO)، لتسهيل فهم محتواها من قبل خوارزميات الذكاء الاصطناعي وضمان ظهوره بشكل بارز. 

وأبرمت بعض المؤسسات اتفاقيات مع شركات التكنولوجيا، مثل شراكة "أسوشيتد برس" مع "غوغل" و"فرانس برس" مع "ميسترال"، لضمان استفادة متبادلة من المحتوى.

لكن تقرير "معهد رويترز للأخبار الرقمية 2025" يحذر من أن متابعة الأخبار عبر قنوات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى تشويش فهم القراء للمصدر الأصلي للأخبار وقيمتها التحريرية، خصوصاً بين الفئة العمرية الأقل من 25 عاماً التي تشكل جمهور المستقبل.

تهديد لحرية الصحافة

يؤكد خبراء الإعلام أن غياب مصادر التمويل المستقرة قد يدفع بعض المؤسسات إلى الإغلاق أو تقليص عملها، مما يهدد التنوع الإعلامي وحرية الصحافة. 

ويحذر مات كاروليان، من مجموعة "بوسطن غلوب ميديا"، قائلاً: "من دون صحافة حقيقية، لن تجد منصات الذكاء الاصطناعي ما تُلخصه".

ويرى مختصون أن الحل يكمن في بناء شراكات عادلة بين شركات التكنولوجيا والمؤسسات الإعلامية، تضمن حصول الأخيرة على مقابل مالي مناسب مقابل استخدام محتواها، مع الاستثمار في التكنولوجيا التي تمكنها من التكيف مع العصر الرقمي دون فقدان هويتها التحريرية أو رسالتها المجتمعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية