صرخة بوجه العنف.. احتجاج في إيران بعد الاعتداء على مهندسة خلال اجتماع رسمي
صرخة بوجه العنف.. احتجاج في إيران بعد الاعتداء على مهندسة خلال اجتماع رسمي
داخل القاعة المغلقة.. كانت الكلمات التي نطقت بها تلك المهندسة الشابة في اجتماع هيئة الهندسة المدنية بأصفهان، يوم الأحد الماضي، تحمل أكثر من مجرد اعتراض مهني، كانت محاولة صريحة لكسر جدار الصمت المفروض حول قضايا الفساد والمحسوبيات التي تتردد أصداؤها بين أعضاء الهيئة منذ سنوات، لكن ما واجهته كان بعيدًا عن المهنية.. بعيدًا عن العقل والمنطق.
بين لحظة وأخرى، تحوّل الاجتماع إلى مسرح عنف، وبينما كانت تتابع حديثها الغاضب، اعترضها أحد الحاضرين بشدة، لتبدأ لحظات من التوتر والانفعال، انتهت باعتداء جسدي مباشر عليها، وسط صراخ بعض الحضور ومحاولات لفض الاشتباك، بحسب ما ذكر موقع "إيران إنترناشيونال"، اليوم الثلاثاء.
انتشرت مقاطع الفيديو التي التُقطت للواقعة كالنار في الهشيم، لتشعل موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفتح الباب واسعًا للنقاش حول العنف الممنهج ضد النساء في المؤسسات المهنية الإيرانية.
نظام معادي للمرأة
بهذه الكلمات، عبّرت الناشطة والصحفية المعارضة مسيح علي نجاد عن غضبها على حسابها في "إنستغرام"، وكتبت: "ما حدث هو صفحة أخرى من نظام فاسد ومعادٍ للمرأة.. هذا ما جلبه هذا النظام للبلاد".
لم تكن وحدها في هذا التوصيف، إذ انطلقت حملة واسعة على منصات مثل "إكس"، وُصفت فيها الحادثة بـ"الفضيحة"، مؤكدة أن السبب الحقيقي للاعتداء لم يكن سوى محاولة لكتم صوت امرأة قالت الحقيقة.
"لقد قالت ما يجب أن يُقال، ودُفعت ثمنًا لذلك"، هكذا كتب أحد المهندسين المتفاعلين مع القضية على منصة "إكس"، مضيفًا: "هي لم تشتم أحدًا، بل طالبت بالشفافية، فتعرضت للضرب".
رواية تتجاهل العنف
وعلى النقيض من توقعات الرأي العام، اختارت هيئة النظام الهندسي في أصفهان طريق الإنكار والتهرب، فبدلًا من الإقرار بالواقعة أو تقديم اعتذار، أصدرت بيانًا حمل الضحية والمحتجين المسؤولية، ووصفت ما جرى بأنه "تصرفات غير مهنية"، وزعمت أن بعض المشاركين "حاولوا إثارة الفوضى".
ولم يتوقف البيان عند هذا الحد، بل وصف نشر الفيديوهات بـ"المؤامرة" وادّعى أن جهات معادية تحاول "تشويه سمعة الهيئة"، مؤكدًا أن الشرطة تتابع الموضوع.
لكن البيان نفسه لم يذكر أي إجراء لمحاسبة من مارس العنف الجسدي، ولم يقدّم أي دعم للمرأة المعتدى عليها، بل أدانها ضمنيًا، ما عزز الشكوك حول وجود محاولة ممنهجة لتزييف الحقيقة.
قاعدة متكررة
منظمات حقوقية ونشطاء إيرانيون قالوا إن هذه الحادثة تمثل "نسخة مصغّرة" لما تتعرض له النساء يوميًا في مؤسسات الدولة والمجتمع الإيراني، حيث يُقابل صوت المرأة بالعنف أو التشويه أو الإقصاء.
"لا توجد عدالة في قاعة يجري فيها ضرب امرأة أمام أعين الحاضرين دون رادع"، هكذا علّقت إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة، مشيرة إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بالحادث، بل بـ"الثقافة التي تعتبر الصوت النسائي خطرًا يجب إسكاتُه".
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يصدر أي موقف واضح من السلطات القضائية أو الحقوقية في إيران بخصوص التحقيق في الحادثة، كما لم تُحدّد الجهة المسؤولة عن الاعتداء الجسدي، وسط مخاوف من تمييع القضية أو تحويلها إلى صراع داخلي بين الأعضاء.
ومع تزايد الضغط على الهيئة، بدأت دعوات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الاعتداء، وإعادة فتح نقاش عام حول حماية النساء في المؤسسات النقابية، وضرورة توفير آليات تضمن حرية التعبير داخل الاجتماعات المهنية، بعيدًا عن العنف والترهيب.