القمع في فيتنام يتصاعد والمنظمات الحقوقية تحذر من تآكل الحريات

القمع في فيتنام يتصاعد والمنظمات الحقوقية تحذر من تآكل الحريات
احتجاجات بشأن حقوق الإنسان في فيتنام

في وقت تجري فيه الجولة العشرون، غداً، لحقوق الإنسان بين أستراليا وفيتنام، وجهت منظمة هيومن رايتس ووتش نداءً صارخاً للحكومة الأسترالية لرفع سقف مطالبها وتحويل الحوار السنوي إلى آلية ملموسة للضغط على هانوي من أجل إصلاحات قابلة للقياس.

وثقت المنظمة سياسة قمع متصاعدة بحق المدافعين عن الحقوق والمدوّنين والناشطين العماليّين والدينيّين، وتدعو إلى إطلاق سراح سجناء سياسيين محددين ووضع معايير واضحة للتقدّم خلال هذا الحوار.

أرقام وممارسات مقلقة

تؤكد هيومن رايتس ووتش، في بيان صدر الاثنين، أن هناك الآن أكثر من مئة وسبعين سجيناً سياسياً في السجون الفيتنامية، محتجزين لممارستهم حقوقهم السلمية في التعبير والتجمع والدعوة للنقابات والبيئة أو الإصلاح السياسي، في 2024 وحدها سجّنت المحاكم عشرات الحقوقيين وأصدرت أحكاماً جائرة ضدّ مدوّنين ومدافعين بيئيين، في ظل تشديد استخدام قوانين غامضة لتجريم العمل السلمي، هذه الأرقام والأنماط دخلت صفحات تقارير منظمات حقوقية دولية متعدّدة خلال الأشهر الماضية. 

تشدّد مراقبات حقوقية على استغلال مواد جزائية مبهمة، أبرزها ما يُعرف بالمادة 331 وغيرها من نصوص سوء استعمال الحريات الديمقراطية، لاختلاق تهم جنائية ضدّ من ينتقدون السلطة الحزبية. هيومن رايتس ووتش ترصد توجّهاً واضحاً لاستخدام هذه البنود، لا لمعالجة جرائم حقيقية، بل لإسكات الشكاوى المحلية والاحتجاجات الشعبية، ما يقوّض مبادئ العدالة والإجراءات القانونية الواجبة.

الصحافة في مرمى القمع

تصنيف فيتنام ضمن أقلّ الدول احتراماً لحرية الصحافة وتجسّد ذلك في حملات توقيف وسجن صحفيين مستقلين ومدوّنين، بالإضافة إلى حملة رقابية على منصات التواصل، تقرير تصنيف الحريات الصحفية الصادر عن "مراسلون بلا حدود" يضع فيتنام في مراتب متأخرة عالمياً، في حين تستمرّ منظمات دولية بالمطالبة بإطلاق سراح صحفيين بارزين ووقف التضييق المالي والإداري على الإعلام المستقل، القيود لا تصيب فقط الممارس الإعلامي بل تقطع عن المجتمع قنوات التوثيق والمساءلة. 

وتجاوبت منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و"أمنستي" و"راصدون للصحافة" ببيانات استنكار وتوصيات عملية، فيما واجهت هانوي تذكيراً من هيئات أممية تناولت ملفها خلال استعراضها الدوري أمام لجنة حقوق الإنسان، وتمحورت دعوات هذه الجهات حول الإفراج عن سجناء الرأي، وإلغاء أو تعديل القوانين المقيدة، والسماح بوجود نقابات مستقلة وحماية المدافعين عن البيئة والدين.

ومع ذلك تبدو استجابة المجتمع الدولي متفاوتة بين بيانات إدانة ودعوات لحوار دبلوماسي أوسع، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية.

وحذرت هيومن رايتس ووتش الحكومة الأسترالية من أن تكون المحادثات مجرد طقوس دبلوماسية، بل يجب أن تكون منصة لفرض معايير واضحة وملموسة وقابلة للقياس لقياس التقدّم الفعلي.

وحددت المنظمة أولويات عملية يجب أن ترفعها أستراليا خلال الحوار؛ منها الإفراج عن السجناء السياسيين، حماية الناشطين البيئيين، احترام حقوق العمال وتمكينهم من تكوين نقابات حرة، ضمان الإجراءات القانونية الواجبة، ورفع القيود على حرية المعتقد والممارسة الدينية، كما قدّمت أسماءً محددة لمدافعين وأصواتٍ معروفة مطالبة بالإفراج عنهم فوراً وفحص أوضاعهم الصحية.

أبعاد قانونية وإمكانات المساءلة

من منظور القانون الدولي، تعهّدت فيتنام بالالتزامات الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن التطبيق العملي لهذه الالتزامات يظلّ محدوداً.

وبحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان فإن استعمال نصوص جنائية مبهمة لقمع التعبير قد يشكّل انتهاكاً لالتزاماتها الدولية. 

وعلى المستوى العملي، إمكانية المساءلة الدولية أمام مؤسسات أممية قائمة لكنها بطيئة، وتواجه تحدّيات سياسية؛ لذلك تؤكد منظمات حقوقية أن المسار الأشدّ فعالية يبدأ بتنسيق دبلوماسي من دول فاعلة وربما ربطه بتسويات اقتصادية أو تجارية ذات شروط إنسانية واضحة. 

التداعيات على المجتمع

القمع المستمِر لا تقتصر آثارُه على السجناء أو النشطاء فحسب؛ بل يشكّل عاملاً يعوق المشاركة المدنية، ويُضعِف صناديق الحوار الاجتماعي، ويزيد مخاطر توجّه المواهب والكوادر إلى الهجرة أو الصمت. القيود على العمل النقابي، على سبيل المثال، تهدّد حقوق العمال وتُقلّص من القدرة التفاوضية لتحسين الأجور والظروف، ما ينعكس سلباً على استقرار النمو الاقتصادي والاجتماعي.

وتؤدي توصيات منظمات حقوقية إلى مجموعة إجراءات ممكنة: اشتراط تقدم قياسي ملموس مقابل مزايا اقتصادية أو مبررات تفاهم دبلوماسي، دعم تقني وقنصلي للمدافعين والناشطين، حملات توثيق مستقل لمنع محاولات تزييف الأدلة؛ وربط برامج التعاون القانوني مع هانوي بشروط الشفافية وإطلاق سراح سجناء الرأي، المفتاح هنا هو تحويل الحوارات الدورية إلى أدوات حسابية: بنود زمنية، مؤشرات قابلة للقياس، وتقارير متابعة علنية.

القضية لا تتعلق فقط بمآل عدد من المحتجزين أو بصرامة قوانين، بل بمصائر أفراد ومجتمعات تُحرم من التعليم والتنظيم وحق التعبير، وتعكس مطالبة هيومن رايتس ووتش للحكومة الأسترالية إدراكاً عملياً؛ أنه إذا لم تتحوّل الحوارات إلى التزام دولي ملموس، ستظل فيتنام ساحة قمع مؤسسي يزداد تأثيره الإنساني والاجتماعي. الوقت لم يعد مناسباً للصيغ البلاغية، هو وقت معايير يمكن قياسها ومتابعتها حفاظاً على حقوق البشر التي لا تتجزأ.

تاريخياً، تعرّضت الحريات في فيتنام لقمع ممنهج منذ تأسيس النظام الحالي، لكن وتيرة القمع ازدادت خلال السنوات الأخيرة مع توظيف سلطات الأمن نصوصاً جنائية فضفاضة ضد المعارضين والمدافعين عن حقوق العمال والبيئة. 

وتوثق تقارير دورية لمنظمات أممية ومحليّة استخدام الاعتقالات والتحقيقات القضائية أداة تضييق. في موازاة ذلك، تصنف منظمات صحفية دولية فيتنام من بين الدول التي تشهد أدنى مستويات حرية الصحافة، في حين تؤكد منظمات حقوقية أنّ الحل العملي يتطلب ربط الحوار الحقوقي بنتائج قابلة للقياس ومساءلة دولية متواصلة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية