الجرائم الطائفية في سوريا.. قتل بلا حساب وخطر يهدد بتفكك المجتمع
الجرائم الطائفية في سوريا.. قتل بلا حساب وخطر يهدد بتفكك المجتمع
في قلب حمص ومناطق ريفها عاد مشهد اختطاف وإعدام المدنيين على أسس طائفية إلى الواجهة خلال الأيام الأخيرة، حيث سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان وفق تقرير له صدر الثلاثاء مقتل 14 مدنياً منذ مطلع الشهر الجاري في حمص وريفها، بينهم طفلتان، في وقائع تنوعت بين إعدامات ميدانية وهجمات على المنازل واختطافات انتهت بالقتل، فيما لا تزال غالبية الجناة طلقاء.
ويعكس هذا العدد الصغير نسبياً في الظاهر يعكس نمطاً أوسع من العنف المنظم الذي ينهش نسيج المجتمع السوري ويغذي دائرة انتقامية لا تتوقف وفق المرصد السوري.
من حالات منفردة إلى موجات انتقامية
التقارير الميدانية والمنظمات الحقوقية توثق نمطاً متكرراً من عمليات استهداف ميداني تطول أفراداً من طوائف محددة، وعمليات اختطاف وإعدام تليها أحياناً دفن الجثث في حقول وبساتين، ومنذ مطلع 2025 رصدت مرجعيات محلية دولية مئات حالات القتل الانتقامي والاغتيالات ذات الدوافع الطائفية في محافظات متفرقة، وهو ما يشي بأن ما يحدث ليس بضعة حوادث معزولة بل موجة أوسع من العنف تتخذ طابعا طائفيا في كثير من الأحيان.
توزيع الانتهاكات يظهر تركزاً في مناطق جغرافية محددة في محافظة حمص وريفها، الساحل حيث شهدت مناطق ذات أغلبية علويّة مجازر وعمليات إعدام، وفي محافظة السويداء حيث تفجّرت اشتباكات طائفية دامية أدت إلى خسائر بشرية واسعة، وهذا التباين الجغرافي مرتبط بتحولات في توازن القوى المحلية بعد أحداث 2023–2024، وبصراع على الموارد والنفوذ السياسي الذي تحوّل في كثير من الأحيان إلى قتل على أساس الانتماء الطائفي أو القبلي.
الإفلات من العقاب
تقارير منظمات حقوقية دأبت على توثيق عمليات القتل خارج إطار القانون ونددت بغياب تحقيقات فعّالة وإجراءات قضائية مستقلة تضمن مساءلة مرتكبي الجرائم، مؤكدة أن غياب العدالة لا يكتفي بتعميق معاناة الضحايا وأسرهم، بل يرسخ منطق الانتقام ويمنح ميليشيات وفاعلين مسلحين غطاءً عملياً للاستمرار في استهداف مواطنين على أسس طائفية، ودعوات لجان التحقيق الأممية والمنظمات الحقوقية تحث على فتح تحقيقات سريعة ومحايدة وحماية الشهود والأدلة.
المجتمع الدولي والأمم المتحدة أعربوا عن القلق والاستنكار، ودعت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية إلى فتح تحقيقات كاملة وحماية المدنيين، ونبهت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن تقارير القتل والانتقام ليست حالات منعزلة، وطالبت بتدابير حماية ملموسة ومحاسبة مسؤولي الانتهاكات، في الوقت نفسه، يواجه المجتمع الدولي تحديات عملية؛ توثيقاً سريعاً وآمناً في مناطق متفرقة، وضغوطاً سياسية على آليات المساءلة، وانقسامات قد تحدّ من فاعلية أي إجراءات رادعة.
القانون الدولي وإمكانات المساءلة
القتل على أساس الطائفة يمكن أن يرقى في ظروف معينة إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويقع تحت نطاق قواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، لكن الآليات الدولية تواجه عقبات: سوريا ليست من الدول الموقعة على نظام روما (المدى العملي لإحالة ملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية لا يزال مرتبطاً بطبيعة التعاون والقرارات الدولية)، بينما يدور عمل لجنة التحقيق والأدلة الميدانية حول حفظها لملفات يمكن استخدامها لاحقاً في محاكمات وطنية أو دولية أو عبر آليات تقاضي خاصة، كما تشير زيارات ومباحثات سابقة بين مسؤولين سوريين ومكتب مدعي المحكمة الدولية إلى إمكانية تعاون محدود أو قبول موقفيات قضائية، لكن الطريق إلى محاسبة فعلية لا يزال محفوفاً بالقيود السياسية والعملية.
الأثر الاجتماعي والإنساني
القتل الطائفي لا يقتصر أثره على ضحايا محددين بل يخلق موجات نزوح داخلية وهجرة خارجية، ويعمّق الخوف بين الجيران فهناك عائلات تترك بيوتها، ومزارع تُترك محاصيلها، وتنمو شبكات انتقامية قد تستمر لسنوات، وهذا يعرقل أي محاولة لإعادة بناء مجتمع مدني متماسك أو تطبيق برامج إعادة إعمار عادلة، ويزيد من عسر العودة الآمنة للنازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم.
طالبت العديد من المنظمات الأممية والحقوقية الدولية بحماية فورية للمدنيين في بؤر الخطر داخل سوريا عبر بوابات أمنية مؤقتة وإرسال فرق أمنية محايدة مع مراقبين دوليين إن أمكن مع فتح تحقيقات سريعة ومستقلة تحفظ الأدلة وتمنع طمسها، ووضع آليات دعم مجتمعية نفسية واجتماعية للأسر المتضررة وبرامج إعادة تأهيل مجتمعي تركز على العدالة المصغّرة والمصالحة المحلية المدعومة بضمانات دولية، بجانب تجديد التزام المجتمع الدولي بآليات حفظ الأدلة وبتمويل حماية الشهود وتمكين القضاء المحلي المؤقت.
القتل على أساس طائفي في سوريا يعيد إلى الأذهان أن الانتقال من مرحلة الصراع المسلح إلى مجتمع سلمي قائم على القانون ليس تلقائياً، وبدون وجود محاسبة حقيقية وحماية للمواطنين وإنعاش لآليات العدالة، ستستمر حلقات العنف الانتقامي، وتزداد احتمالات تفكك المجتمعات المحلية وفشل العالم والمجتمع السوري في هذه المهمة يعني أن ثمن الصمت سيكون باهظاً لسنوات قادمة وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان والأمم المتحدة.