بين تقرير واشنطن وقانون الخصوصية.. هل دخلت حقوق الإنسان في هونغ كونغ مرحلة اللاعودة؟

بين تقرير واشنطن وقانون الخصوصية.. هل دخلت حقوق الإنسان في هونغ كونغ مرحلة اللاعودة؟
وزارة الخارجية الأمريكية

أعاد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر هذا الأسبوع عن أوضاع حقوق الإنسان في الصين بتركيزه على هونغ كونغ اشتعال نقاش دولي جديد حول مدى تآكل الحقوق والحريات التي كانت تميّز المدينة، حيث سلط الضوء على إقرار تشريع الأمن القومي المحلي المعروف بالمادة 23 وتأثيره المباشر في توسيع تعريفات الجرائم السياسية وصلاحيات توقيف واحتجاز المشتبه بهم، فضلاً على تسجيل قيود جسيمة على حرية التعبير والإعلام.

وهذه الصورة التي رصدتها واشنطن لم تخلُ من صدى دولي وإنساني طالبت فيه منظمات حقوقية أممية ومدنية بالتراجع عن سياسات التضييق أو بفتح آليات مساءلة وشفافية.

وأقرّت الهيئة التشريعية في هونغ كونغ في مارس 2024 سريعًا قانونًا تحت مظلة سد الثغرات الأمنية، عرف في العموم باسم المادة 23 من القانون الأساسي، بعد سنوات من الترقّب منذ محاولة 2003 الفاشلة، ويوسع القانون نطاق الجرائم الوطنية (الخيانة، التخريب، الفتنة، التجسس والتدخل الخارجي) ويتيح احتجازاً قبل توجيه الاتهام لمدة تصل إلى 16 يوماً مع إمكان تقييد وصول بعض المشتبه بهم إلى محامين، بالإضافة إلى عقوبات قد تصل للسجن المؤبد، ومنتقدو النص يعدونه فصلاً جديدًا في تقنين القمع، فيما ترى السلطات المحلية وصيّتها البكينية أنه إجراء مشروع لحماية الأمن. 

ردود الفعل الحقوقية والأممية

منظمات حقوقية بارزة رأت في المادة 23 خطوة لتثبيت نظام قمعي يقنّن المساحات العامة، وقد عدّت منظمة العفو الدولية "أَمنِستي" إقرار القانون لحظة مدمرة لحقوق الإنسان، محذّرة أن التشريعات تُستخدم لتجريم أشكال من التعبير السلمي وتجريد المساحة المدنية من خصائصها التقليدية.

كذلك دعت هيومن رايتس ووتش والحملات الحقوقية الدولية إلى إدانة النص والضغط لرفض تطبيقه على أنشطة سلمية. على نفس الخط، نبّه مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من مخاطر تطبيق قوانين الأمن بطرق تؤدي إلى تقييد متزايد للحريات الأساسية وعرقلة التواصل مع الآليات الدولية.

الإعلام والمجتمع المدني

القرارات التشريعية لم تبتعد كثيرًا عن ملاحقة منابر نقدية وإعلامية، فقد شهدت السنوات السابقة غلق صحف ومستودعات نشر، ورفض منح تأشيرات لصحفيين أجانب، وإجراءات أدت إلى إضعاف استقصاء الرأي العام والمساءلة.

وشملت حالات اعتقال أولية بموجب المادة 23 ناشطين ومدونين ومديرين سابقين لصفحات توعية، وهو ما يضيق على آخر المساحات المتاحة للنقاش السلمي، وهذه الخسارة في حرية الإعلام لا تضعف فقط حقوق الأفراد، بل تُضعف أيضاً قدرة المجتمع على تنظيم نفسه والتفاعل مع مؤسساته.

ورد المكتب المفوض لوزارة الخارجية الصينية في هونغ كونغ على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفه ادعاءات كاذبة وتسييسًا لقضايا داخلية ينبغي أن تُحلّ دون تدخل خارجي، مذكّرة بمبدأ سيادة الدولة وعدم قبول ما تسميه تدخلاً في شؤونها الداخلية، وهذا الخلاف يضع ملف هونغ كونغ في محور صراع أوسع بين حسابات الأمن القومي ومطالب الحقوق، ويجعل أي اتّفاق أممي أو ضغط غربي يواجه إشكالات شرعية ودبلوماسية. 

الإطار القانوني الدولي

ما الذي يربط السلطات المحلية والسلطات المركزية بالتزامات حقوقية دولية؟ الإجابة معقدة.. فالصين وقّعت عام 1998 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لكنها لم تصدّق عليه، وهو ما يُضعف مدَاه القانوني القسري داخل البلاد، ولكنه لا يلغي الضغوط الأخلاقية والسياسية الدولية. 

من جهة أخرى، وثائق مثل الإعلان المشترك بين بريطانيا والصين والقانون الأساسي لهما دورٌ تاريخي ودعائي في تحديد توقعات المجتمع الدولي بشأن مستوى الحريات في هونغ كونغ، وهو ما تغذيه تقارير دولية عن الانتهاكات وتحوّلها إلى مادة جدلية دبلوماسية، والمؤسسات الأممية تدعو عمومًا إلى التزام بالحقوق الأساسية وحماية المدنيين والنشطاء والصحفيين، مع دعوات متكررة لمراجعة أي تشريع يهدد الحريات الأساسية. 

المجتمع المدنى في وضع هش

خارج أوراق التقارير، هناك آثار يومية تتمثل في أن متطوعي الإغاثة الثقافية يقلّ عددهم، ومنابر الرقابة الذاتية تتزايد، وطلاب الجامعات يجدون أنفسهم عرضة للمساءلة على آراء أو أنشطة كانت تُعد في السابق جزءًا من الفضاء الوجهي الحر، إضافة لذلك، الخوف من تبعات قانونية تُثبط التمويل الدولي لبعض الجمعيات وتحوّل التعاون الأكاديمي والثقافي إلى مخاطرة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية