العدالة المؤجلة.. هل فشلت سريلانكا في طي صفحة انتهاكات حقوق الإنسان؟

العدالة المؤجلة.. هل فشلت سريلانكا في طي صفحة انتهاكات حقوق الإنسان؟
مواطنون في سريلانكا

تبدو سريلانكا، اليوم، أمام مفصل خطِر ما بين اكتشاف مقابر جماعية جديدة، وتقارير أممية توثق نماذج من الاحتجاز التعسفي والتعذيب، والمطالب المتزايدة بمساءلة حقيقية، ينفتح نقاش مركزي حول قدرة الدولة ومؤسسات المجتمع الدولي على إحقاق العدالة وحماية حقوق الضحايا. 

القصة ليست مجرد سطر في تقرير، هي تراكم أوجاع لعقود من الاختفاء القسري والاعتقالات بعيدة عن الرقابة، وبينها تتردد أصوات الناجين وعائلات المفقودين مطالبة بحقائق لم تقدم بعد.

أنماط وتعقيدات مستمرة

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك قدّم تقريراً ميدانيّاً حذّر فيه من أنماط متكررة من الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والوفيات أثناء الاحتجاز، وكذلك مضايقات ممنهجة تستهدف المدافعين عن الحقوق وعائلات المختفين.

وشدد التقرير على أن بعض التعهدات الحكومية بالإصلاح لم تُنفّذ عملياً، وأن الظروف الهيكلية التي غذّت انتهاكات الماضي لا تزال قائمة، ما يجعل الحاجة إلى آليات مراقبة واستمرار الوجود الأممي أمراً ملحّاً. المفوضية السامية لحقوق الإنسان

الخرائط التي رسمها التقرير تشير إلى أن المشكلة ليست حادثة واحدة، بل منظومة من الثغرات القانونية والإجرائية التي تسمح بانتهاكات متجددة في سريلانكا.

وفي هذا الإطار، يرى المراقبون أن أي مسار للمساءلة لا يمكن أن ينجح من دون ضمانات استقلالية التحقيقات، وحماية الشهود، وفتح ملفات الاختفاء القسري أمام تحقيقات شفافة ومُمكَّنة من وسائل الأدلة الجنائية الحديثة.

مطالبات المنظمات الحقوقية

هيومن رايتس ووتش وغيرها من منظمات المجتمع المدني دعت بصورة صريحة مجلس حقوق الإنسان إلى عدم الانسحاب من قيادة المساءلة وضرورة تجديد التفويضات الأممية الخاصة بمتابعة قضايا سريلانكا والدفع نحو آليات فعالة أكثر، المنظمات المحلية تطالب بحماية فعّالة لعائلات الضحايا والنشطاء الذين يتعرضون لمضايقات وتهديدات، وتؤكد أن الرقابة الدولية لا تزال أحد عوامل الضغط الوحيدة الممكنة لكسر حلقات الإفلات من العقاب. 

ويرى هذا الائتلاف الدولي-المدني أن المساءلة ليست انتقاماً تاريخياً بل شرط لِبناء مصالحة يمكن أن ترتكز على الحق في الحقيقة والعدالة والتعويض، وإلا فإن الجروح الجماعية ستظل مفتوحة، والدوائر العنيفة قابلة للتجدّد.

عمليات التنقيب في موقع (كِشمَني / Chemmani) بشمال الجزيرة أعادت الأمور إلى الواجهة بعد العثور على رفات بشرية يُقال إن عددها تجاوز المئات في مراحل مختلفة من العمل الميداني، بينها بقايا لأطفال ورضع، وأعادت هذه الاكتشافات إطلاق مطالبات قوية بتحقيقات مستقلة وشفافة بحضور خبراء جنائيين دوليين ونُظم توثيق حديثة لتحديد هوية الرفات وظروف الوفاة، وهو ما تستدعيه مبادئ العدالة الانتقالية لضمان حقوق العائلات في الحقيقة والدفن اللائق والتعويض.

اختفاء قسري ونداءات للتوثيق

تقديرات جهات دولية متخصِّصة تضع أعداد المختفين قسرياً خلال عقود الصراع في سريلانكا بين 60 ألفاً ومئة ألف حالة، وهي أرقام تُشير إلى حجم كارثي من الاختفاءات التي لم تُحسم بعدُ مصائرها، وهذه الأرقام لا تُمثّل مجرد إحصاءات؛ بل آلاف الأسر التي لم تنل إجابات عن مصير أحبتها، ما يجعل ملف الاختفاء القسري حجر زاوية في أي عملية عدالة انتقالية.

تعهّدت قيادة البلاد الجديدة بإجراءات إصلاحية، منها مراجعات لقوانين تحدّ من الحريات، وإقامة مكتب مدعٍ عام مستقل لتعزيز المحاسبة، إلا أن المراقبين يشيرون إلى فجوة بين الإعلان والتطبيق؛ إذ لم تترجم كل هذه الوعود إلى جداول زمنية واضحة أو خطوات عملية تعيد الثقة للضحايا. 

وفي هذا السياق، تبرز أهمية استمرار التفويضات الأممية ووجود خبراء دوليين يضمنون أن التحقيقات لا تُدار بصورة داخلية مُختزلة قد تعرقل الوصول إلى الحقيقة، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

القانون الدولي

القانون الدولي الجنائي وقواعد حقوق الإنسان تضع التزامات واضحة للدول في منع التعذيب، ومحاكمة مرتكبي الجرائم الخطِرة، وضمان حقوق الضحايا، وقد تندرج حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والتعذيب، متى ما تبيّن ارتكابها بشكل واسع أو ممنهج، تحت جرائم ضد الإنسانية، وتثير صلاحيات قضائية دولية، كما أن مجلس حقوق الإنسان والأجهزة الأممية الأخرى تمتلك أدوات للضغط السياسي والتوثيق الذي يمكن أن يمهد لإجراءات تحقيقية أوسع أو إحالة للمساءلة الدولية إذا فشلت الجهود الداخلية.

ووفق منظمات حقوقية فإن سريلانكا مطالبة بوضع آليات فعّالة للعدالة الانتقالية، من خلال سياسة وطنية حقيقية للمساءلة تتضمن حماية للشهود والضحايا، تعاون دولي بما في ذلك خبراء جنائيين وتقنيات توثيق حديثة لمقابر ومواقع الاختفاء، وتمويل ودعم برامجي للمصالحة المجتمعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية