أزمة الحق في الحياة.. قانون الإعدام في تشاد يثير مخاوف من انتكاسة لمكاسب حقوقية

أزمة الحق في الحياة.. قانون الإعدام في تشاد يثير مخاوف من انتكاسة لمكاسب حقوقية
علم تشاد

في الثالث والعشرين من يونيو 2025 أصدر رئيس الوزراء في تشاد مرسوما بتشكيل لجنة تتولى النظر في إعادة العمل بعقوبة الإعدام ورفع مقترحات إلى أعلى السلطات، الإعلان أعاد إلى الواجهة سؤالا ظل مغلقا منذ خمس سنوات حين ألغت نجامينا العقوبة نهائيا عام 2020 بعد مسار متقلب.

وسارعت منظمات محلية ودولية إلى التحذير من أن مجرد فتح النقاش على هذا النحو، وبصيغة تفترض العودة لا التقييم، يهدد بتقويض حق أساسي هو الحق في الحياة ويمثل انتكاسة لمكاسب حقوقية تحققت بشق الأنفس.

لا يأتي هذا الحراك القانوني في فراغ حيث يتسم المشهد العام بتوتر سياسي وتضييق على الحريات العامة انعكس في أحكام قضائية بحق معارضين بارزين، ما يغذي المخاوف الحقوقية من أن تستغل العودة إلى الإعدام في تشاد لتصفية خصومات سياسية أو لإرسال رسائل ردع في مناخ تعوزه الضمانات المؤسسية الكافية للمحاكمة العادلة، الربط بين مساعي تشديد العقوبات والتراجع العام في مؤشرات استقلال القضاء وشفافية الإجراءات يطرح سؤال الملاءمة قبل سؤال الشرعية.

من إلغاء مرحلي إلى منع شامل

رحلة تشاد مع عقوبة الإعدام تكشف مساراً متعرجاً، فبعد وقف التنفيذ عام 2003 أعيدت العقوبة في 2015 على خلفية هجمات لجماعات مسلحة، ونفذ الإعدام آنذاك في عدد من المدانين، لاحقا ألغيت العقوبة لجرائم القانون العام عام 2017، ثم اتخذت الحكومة خطوة مفصلية في 2020 بإزالة العقوبة أيضا من قانون مكافحة الإرهاب لتصبح الدولة بلا إعدام في القانون.

وعكس هذا التدرج في حينه استجابة لتوصيات أممية وإفريقية ودفعا نحو نظام عقابي يركز على الردع والإصلاح لا الإزهاق، إعادة طرح الملف اليوم تعني العودة إلى نقطة البدء وتكريس دائرة من التراجع والتقدم لا تؤسس لاستقرار تشريعي يقي الحقوق من تقلبات السياسة.

قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تتعامل مع عقوبة الإعدام باعتبارها استثناء في طريقه حتى الاضمحلال، ويحمي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة ويقيد أشد التقييد أي لجوء للعقوبة القصوى، بينما يدعو البروتوكول الاختياري الثاني إلى الإلغاء.

وعلى المستوى الإفريقي صدرت قرارات متعاقبة من مفوضية الاتحاد الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تحث على وقف تنفيذي تمهيدا للإلغاء وعلى مواءمة التشريعات الوطنية مع هذا الاتجاه، المفارقة أن تشاد نفسها صوتت في ديسمبر 2024 لصالح قرار الجمعية العامة الداعي إلى وقف عالمي لاستخدام الإعدام.

التجربة العالمية والأثر الردعي

الإحصاءات المقارنة تسعف صناع القرار حين يغيب الدليل المحلي؛ تقارير دولية حديثة تظهر أن العالم يتجه إلى تقليص استخدام عقوبة الإعدام مع تزايد عدد الدول التي ألغته قانونا أو عملا، فيما تنحصر معظم الإعدامات في مجموعة قليلة من البلدان، في المقابل لا يثبت البحث الجنائي المقارن أن الإعدام أكثر ردعا من العقوبات السالبة للحرية في الجرائم الخطيرة.

وفي نزاعات مسلحة أو بيئات غير مستقرة سياسيا تصبح العدالة الجنائية أكثر هشاشة وأقل قدرة على درء الأخطاء التي لا يمكن إصلاحها بعد التنفيذ، لهذا السبب تربط منظمات حقوقية بين العودة إلى العقوبة وبين مخاطر الخطأ القضائي، والاعترافات المنتزعة بالإكراه، واستهداف الفئات الأضعف تمثيلا أمام المحاكم وفق منظمة العفو الدولية.

حساسية الملف في تشاد تتضاعف لغياب حظر دستوري صريح لعقوبة الإعدام، هذا الفراغ جعل السياسة الجنائية عرضة للمزاج السياسي المتبدل، فتأرجحت البلاد خلال عقدين بين الوقف والإعادة والإلغاء الجزئي ثم الشامل، ومن زاوية دولة القانون لا يكفي تغيير النصوص العادية ما لم يسنده قيد دستوري يضمن ألا تتغير قواعد الحياة والموت بتغيير الحكومات، إدراج الحظر في صلب الدستور يقطع الطريق على دوامة التراجعات ويؤمن للمواطنين درجة أعلى من اليقين القانوني.

مخاطر على منظومة العدالة

في بيئة مؤسسية تعاني من ضغط أمني وسياسي، يبقى ضمان المحاكمة العادلة تحديا مستمرا، وتتطلب العقوبة القصوى معايير إثبات أشد صرامة وإمكانيات دفاع فاعلة وخبرات قضائية متخصصة، وإجراءات طعن متعددة الطبقات. 

عندما تفتقر المنظومة إلى هذه الشروط يصبح الخطأ القضائي احتمالا واقعا لا فرضية بعيدة، وتتحول العقوبة إلى خطر عام والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إن فُعّلت ووسعت صلاحياتها في الرصد والشكوى، يمكن أن تقدم صماما إضافيا للأمان، لكن وجود الإعدام في القانون ذاته يترك مساحة دائمة للانتهاك لا تُسد إلا بالإلغاء.

كيف تقرأ المنظمات الحقوقية الخطوة؟

الرابطة التشادية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب وصفتا قرار تشكيل اللجنة بأنه خطوة تحمل نية مبيتة لإعادة العقوبة، واعتبرتا أن المنهج الأجدى هو ترسيخ الإصلاحات القضائية وتعزيز مكافحة الإفلات من العقاب بوسائل لا تمس الحق في الحياة، وتدعو منظمات دولية أخرى تدعو تقليديا إلى وقف تنفيذي فوري ثم مراجعة تشريعية شاملة، مع بدائل عقابية تحمي المجتمع وتراعي حقوق الضحايا دون المساس بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، في قلب هذه المقاربة الموازنة بين الأمن والحقوق، ومنع التوظيف السياسي للعقوبات الجنائية، وبناء ثقة عامة في القضاء لا تقوم على الشدة القصوى بل على العدالة الناجزة والشفافية.

وبحسب المنظمات والشبكات الحقوقية فإن تعزيز القدرات التحقيقية، وتطوير علوم الأدلة الجنائية، وتوسيع برامج الوقاية الاجتماعية، وتدريب الشرطة والنيابة على المعايير الدولية، كلها أدوات أكثر نجاعة واستدامة من إعادة الإعدام، ففي الجرائم الإرهابية أو الشديدة الخطورة يمكن للعقوبات السالبة للحرية المؤبدة مع مراجعات قضائية دورية أن توازن بين ردع الجريمة وحماية الحقوق. 

كما أن دعم برامج رعاية الضحايا وتعويضهم وإشراكهم في مسارات العدالة يحقق جزءا من العدالة التصالحية التي تغيب عن المقاربة العقابية البحتة.

تشاد شهدت وقفا لتنفيذ الإعدام عام 2003، ثم أعادته عام 2015 في إطار مكافحة الإرهاب ونفذت حينها أحكاما بالإعدام، عام 2017 ألغت العقوبة في الجرائم العادية وأبقتها في قانون الإرهاب، قبل أن تلغيها تماما عام 2020 من جميع التشريعات، وهو ما حظي بإشادة أممية واسعة، في ديسمبر 2024 صوتت لصالح قرار أممي يدعو إلى وقف عالمي لاستخدام العقوبة.

وفي يونيو 2025 صدر مرسوم بتشكيل لجنة للنظر في إعادة الإعدام ما أثار انتقادات حقوقية، في سياق سياسي محتقن شهد في أغسطس 2025 إدانة قضائية مثيرة للجدل بحق شخصية معارضة بارزة، الأمر الذي ضاعف المخاوف من انعكاسات العودة إلى العقوبة على الحقوق والحريات، عربيا وإفريقيا يتسع نطاق الإلغاء أو الوقف.

بينما تشير تقارير دولية إلى أن عدد الدول التي ألغت الإعدام قانونا أو عملا بلغ ما يفوق ثلثي دول العالم، في مقابل ارتفاع ملحوظ في أعداد الإعدامات المنفذة عام 2024 على يد عدد محدود من الدول، وهذا التناقض العالمي بين اتساع قاعدة الإلغاء وارتفاع أرقام التنفيذ يعزز الدعوة إلى تمتين الالتزامات الوطنية وتحويلها إلى ضمانات دستورية وقانونية ثابتة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية