تشاد على حافة الانفجار.. تراجع المساعدات يفتح الباب أمام تمدد الجماعات المتطرفة

تشاد على حافة الانفجار.. تراجع المساعدات يفتح الباب أمام تمدد الجماعات المتطرفة
نازحون في تشاد

على ضفاف بحيرة تشاد، حيث اختنقت سبل العيش بفعل الجفاف وتآكل الموارد وعودة الهجمات المسلحة، تصطف مخيمات نزوح مكتظة بعائلات فقدت ملكية الأرض والأمل، ولم يكن تراجع تدفق المساعدات الخارجية هذا العام إلى تشاد مجرد أزمة مالية إدارية، بل تحول سريع في قدرة المجتمع الإنساني على منع انهيار اجتماعي يسهّل توغل الجماعات المتطرفة التي تستثمر الفقر واليأس للتجنيد والتهديد الأمني.

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو سبعة ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2025، في حين بدأت خطة الاستجابة الإنسانية تواجه عجزاً مالياً حاداً، وفق منظمة "اليونيسف".

الانعكاس المباشر للتمويل المنخفض هو تخفيض أو إغلاق خدمات أساسية، فقد اضطر برنامج الأغذية العالمي لإلغاء خط طيران إنساني يربط العاصمة نجامينا بمدينة بول في إقليم البحيرة، ما حول رحلة تستغرق ساعة إلى رحلة برية يومية عبر طرق غير آمنة، كما أغلقت وكالات أممية ومكاتب شريكة في منطقتي البحيرة والشرق، هذا الفقد في الوصول يعني بطء وصول الغذاء والمياه والمستلزمات الطبية إلى مخيمات نازحين تقطنها مئات الآلاف بحسب "ريليف ويب".

أرقام وصيغ التمويل

خطة الاستجابة الإنسانية لتشاد في 2025 صُممت لتغطية احتياجات واسعة بنحو مليار ونصف دولار تقريباً، غير أن التمويل المتوفر، حتى الآن، لا يتجاوز نسبة ضئيلة من هذا المبلغ، وفق مسؤولي الأمم المتحدة، ما اضطر الفرق الإنسانية لإعادة جدولة أهدافها وتقليص نطاق التدخلات وحصرها بالأكثر هشاشة، وهذا الانكماش يأتي في ظل وصول نزوح إضافي من السودان المجاور، ما يضاعف الضغط على موارد الاستجابة.

أدبيات الأمن والتنمية تشير إلى أن الفقر والخسارة المستمرة للفرص الاقتصادية يفتحان شروخاً اجتماعية تجعل المجتمعات عرضة لنفوذ جماعات مسلحة تقدم بدائل مادية ورمزية.

وفي حوض بحيرة تشاد، استفادت جماعات مثل بوكو حرام من توظيف محركات اليأس (الخسارة الزراعية، ندرة السمك، انقطاع المدارس والرواتب) لتجنيد شبان بلا خيارات، كثير من التحليلات تربط بين ضغوط المناخ وتراجع سبل الكسب وارتفاع خطر العنف المسلح، ما يجعل تقليص المساعدات عاملاً مخففاً للأمن القومي الإقليمي. 

ردود المنظمات الأممية والحقوقية

الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية حذرت من أن تجميد أو تقليص التمويل سيقوّض قدرات الحماية الأساسية، ونوه منسق الشؤون الإنسانية في تشاد إلى احتمال مغادرة منظمات غير حكومية ميدانية بحلول الخريف إذا استمر العجز المالي، في حين أطلقت وكالات مثل اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي إنذارات بشأن تقليص حصص الغذاء وخدمات الصحة والتغذية، ما يهدد حياة الأطفال والنساء والمرضى، كما نددت منظمات حقوقية دولية بتحويل لهجة التمويل إلى منطق "خطط طوارئ قصيرة الأجل" بدل حلول مستدامة، وحذرت من أن هذا المسار يزيد من معاناة المدنيين ويقوّي روافد التوتر. 

قرارات تجميد أو خفض منح دول كبرى، وفي مقدمتها تجميد كبير في التمويل الأمريكي خلال الأشهر الأخيرة، تركت فجوة مالية مباشرة في ميزانيات الاستجابة، وقدرت الأمم المتحدة أن هذا التجميد أثر في نسبة من المساعدات المعتمدة لتشاد.

 أثر هذه الخطوات تمثل في إغلاق خطوط لوجستية وإنسانية وإخلاء مكاتب ووقف تمويل مشروعات حماية وتعليم وصحة حيوية، وطالبت المنظمات بتعويض فوري لتفادي انهيار سلاسل الخدمات.

القانون والتزامات الحماية

قواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الإقليمية تلزم الدول وأطراف النزاع بحماية المدنيين والمشردين داخلياً وتوفير احتياجاتهم الأساسية، وتؤكد اتفاقية "كمبالا" الإفريقية لحماية النازحين داخلياً واجب الدول نحو مساعدة المعنيين وتأمين ظروف استقبال كريمة لمن نزحوا داخل حدود الدولة.

كما تفرض قواعد إنسانية عامة لتيسير وصول المساعدات وعدم عرقلة عمل المنظمات الإنسانية، ولا يعفي تعميق الأزمة التمويلية الدول أو المجتمع الدولي من هذه الالتزامات، بل يستلزم معالجة سريعة لضمان حقوق المدنيين. 

أزمة البحيرة ليست جديدة، فمنذ أكثر من عقدين شكل تراجع مياه البحيرة وتغير أنماط الأمطار مع عوامل اقتصادية واجتماعية أرضية لصراعات حول الرعي والصيد والزراعة، في حين استفادت جماعات مسلحة من الفراغ الأمني للنمو، كذلك شهدت موجات تمويل طارئة في ذروات العنف، لكنها لم تحوّلها إلى برامج تنموية مستدامة لإعادة بناء قدرات الصمود المحلية، هذا المزيج من عوامل بيئية وأمنية واجتماعية يجعل أية فجوة تمويلية محركاً فورياً لتدهور سريع في الاستقرار. 

اقتراحات وقائية

اقترح مراقبون حقوقيون ومنظمات أممية إعادة التمويل الطارئ لاستمرار خطوط وصول الغذاء والعلاجات ومشروعات التغذية المدرّسة وسبل الحماية، وتمويل جسر لوجستي فوري لإعادة تشغيل النقل الجوي الإنساني والطرقات الآمنة لتفادي عزلة المخيمات، إضافة إلى دمج استراتيجيات بناء الصمود المناخي وإعادة فرص العمل الزراعية والصيد في برامج التنمية المبكرة لتقليص قابلية التجنيد، ووضع آليات رقابة وشفافية في توزيع المساعدات للحيلولة دون احتكار موارد الطوارئ وخلق استجابة محلية مستدامة بقيادة المجتمعات المتضررة، وذلك بهدف منع اتساع دوائر العنف وفق برنامج الأغذية العالمي.

تراجع المساعدات إلى تشاد لا يمثل مجرد تآكل في حسابات برامج إنسانية، إنه عامل تكميلي لتفاقم أزمات اقتصادية وبيئية وأمنية تدفع بالمجتمعات نحو خيارات يأسها، إن استجابة العالم الآن، بإعادة التمويل والحفاظ على وجود بعثات الوصول والوقاية، يمكن أن تحجم موجة جديدة من العنف والتجنيد، ترك الناس بلا حماية أو أمل سيؤتي ثماره بالزيادة في النزاع والإرهاب، وهو ثمن باهظ لا يقتصر أثره على تشاد وحدها، بل على استقرار منطقة بأسرها. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية