جدل في سوريا بعد قرار "منع العري" من مشاريع التخرج بكلية الفنون

جدل في سوريا بعد قرار "منع العري" من مشاريع التخرج بكلية الفنون
أحد الأعمال الفنية بكلية الفنون الجميلة

أثار تعميم صادر عن كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق جدلاً واسعاً بين طلابها وأساتذتها، بعدما نصّ على منع استخدام "الموديل العاري" في مشاريع التخرج لأقسام النحت والتصوير والطباعة والحفر، مبرراً القرار بضرورة "الانسجام مع الثوابت الأخلاقية والمجتمعية".

القرار المفاجئ قلب خطط العديد من الطلاب رأساً على عقب، وأطلق نقاشات محتدمة حول حدود حرية التعبير الفني، ومدى إمكانية التوفيق بين القيم الاجتماعية ومتطلبات الدراسة الأكاديمية للفنون وفق شبكة “نورث برس” الإخبارية السورية.

الطلاب بين الغضب والتحدي

في قسم النحت، الأكثر تضرراً من القرار، يقول الطالب أحمد بلام، الذي يتمحور مشروعه حول جسد رجل عارٍ يجسد مفهوم "الانتظار": "ربما أستطيع أن أغطي المجسم بالملابس دون الإخلال بالمعنى، لكنني أتضامن مع زملاء لا يمكنهم إجراء مثل هذا التعديل".

زميلته ريما اختارت المواجهة بشكل أوضح، إذ أكدت أنها لن تتراجع عن مجسمها الذي يرمز لتحرر المرأة من القيود المجتمعية، قائلة: "مستعدة أن أحصل على الدرجة صفر مقابل أن تبقى رسالتي كما هي".

أما الطالب محمد توبان من قسم التصوير، فيوضح أن العري في عمله "لا يحمل أي دلالة جنسية"، بل يعكس رمزية العلاقة بين السلطة والشعب، من خلال رسم رجل بدين عارٍ تحيط به مجموعة من الأطفال النحيلين، ويضيف: "لن أتراجع عن فكرتي، لأن العمل يفقد قيمته إذا خضع للرقابة الأخلاقية".

مساحة للفن أم محاكمة للأفكار؟

مواقف الأساتذة بدت أكثر حذراً، وإن لم تخفِ تحفظها، ويرى الدكتور سمير رحمة، أستاذ النحت، أن التعميم قد يُفهم كمنع شامل للفن العاري، رغم أن الكلية منذ عام 1974 تمنع وجود عارض بشري عارٍ داخل الصفوف.

ويقول: "القرار يضع الفن نفسه موضع الاتهام"، مؤكداً أنه لن يقبل بمعاقبة الطلاب عبر درجات متدنية، وأن الحل ربما يكون في البحث عن بدائل إبداعية تحفظ جوهر العمل الفني.

 شكوى تتحول إلى تعميم

تداولت أوساط الكلية أن التعميم جاء عقب شكوى رفعتها والدة طالبة في السنة الأولى تعمل طبيبة أسنان، بعد رفض طلبها نقل ابنتها من قسم النحت إلى قسم الغرافيك لعدم استيفاء الشروط.

ووفق روايات طلابية، فإن الأم لجأت إلى وزارة التعليم العالي في سوريا مدعية وجود "مظاهر لا أخلاقية" داخل قسم النحت، لتستجيب الوزارة بإصدار القرار.

عميد الكلية الدكتور فؤاد دحدوح أكد هذه الرواية، موضحاً أنه رفض نقل الطالبة احتراماً لأنظمة الجامعة، وأن التعميم يقتصر على مشاريع التخرج المعروضة أمام الجمهور، بينما العملية التعليمية داخل الصفوف ستبقى كما هي، وأضاف: "علينا مراعاة شعور الجميع، من المحامي إلى بائع البطيخ، لكنني في الوقت ذاته لن أسمح بخنق الإبداع".

الحراك الطلابي

كما أصدر الحراك الطلابي في كلية الفنون الجميلة بسوريا بيانا لاذعا وصف فيه القرار بالتعسفي، وجاء فيه: "منذ أكاديميات عصر النهضة وحتى مدارس الفنون المعاصرة، كان رسم الجسد العاري في تعليم الفنانين لأنه يجمع بين الصعوبة التقنية والعمق التعبيري.. إن حذف هذه الركيزة من التعليم الفني لا يعني حماية قيم، بل يعني ضرب جوهر المعرفة البصرية وإفراغ المناهج من مضمونها العلمي والجمالي، وعزل الجامعة عن سياقها الأكاديمي".

وأضاف البيان: "الجامعة فضاء مستقل لا وصاية عليه والمناهج التعليمية ليست مجالا للقرارات التعسفية أو التهديد بالعقوبات بل مسار معرفي يملكه طلابها وأساتذتها.. نطالب بالتراجع الفوري عن القرار وتقديم اعتذار علني باسم وزارة التعليم العالي وعمادة كلية الفنون الجميلة والمناهج التعليمية بوصف ذلك مبدأ غير قابل للتفاوض.. ونؤكد في الوقت نفسه على أن الوقفة الاحتجاجية التي دعا اليها طلاب الكلية يوم الاثنين 18-8-2025 هي حق مشروع وممارسة مدنية سلمية تعكس وعي الطلاب لمكانتهم، وتُعبّر عن رفضهم لأي مساس بالحرية الأكاديمية، وأن صون هذا الحق وحمايته هو واجب على كل إدارة جامعية وهو الطريق الوحيد للحفاظ على فضاء جامعي حر. كما أن الجامعة التي تدار بالعقوبات والوصاية تفقد معناها وموقفنا اليوم ليس مجرد اعتراض على قرار، بل هو تثبيت لمبدأ أساسي: لا جامعة بلا حرية ولا تعليم بلا استقلال أكاديمي".

فن أكاديمي بين القيود والمقاومة

بين رفض الطلاب، وتحفظ الأساتذة، ودفاع الإدارة عن "التوازن بين الإبداع وقيم المجتمع"، يظل القرار مثار جدل واسع، ويطرح تساؤلات أوسع حول مستقبل الفنون التشكيلية في سوريا: هل ستخضع لمزيد من القيود، أم ستجد طرقاً جديدة للتحايل على الرقابة ومواصلة التعبير الفني الحر؟

يُعدّ العري في الفنون التشكيلية واحداً من أقدم أشكال التعبير الجمالي في تاريخ الإنسانية، إذ ارتبط بفهم الفنانين للجسد باعتباره "لغة بصرية" تكشف معاني أعمق من الشكل المجرّد.

وفي السياق الأكاديمي، تعتمد كليات الفنون حول العالم على دراسة الجسد العاري كركيزة أساسية لتعليم النسب، والتوازن، والتكوين، بوصفه أداة لا غنى عنها لصقل مهارات الفنان، ومن هنا، فإن أي حظر عليه يثير نقاشات مستمرة بين دعاة الحفاظ على القيم الاجتماعية، والمدافعين عن استقلالية الفن باعتباره لغة عالمية لا تعترف بالقيود.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية