تجارة رحلات الترحيل القسري.. شركات الطيران تتنافس على مليارات الدولارات لنقل المهاجرين
تجارة رحلات الترحيل القسري.. شركات الطيران تتنافس على مليارات الدولارات لنقل المهاجرين
في مشهد يعكس تزاوج الاقتصاد مع سياسات الهجرة الصارمة، أخذت رحلات ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة تتحول إلى صناعة مزدهرة بحد ذاتها، تُقدَّر بمليارات الدولارات، حيث تتنافس شركات طيران خاصة ومقاولون متخصصون للفوز بعقود حكومية مربحة، هدفها نقل المهاجرين المحتجزين جوًا إلى بلدانهم الأصلية.
تكشف هذه التجارة الجديدة، التي تضع البشر في قلب سوق متسارع النمو، جانبًا آخر من إرث سياسات دونالد ترامب المعروفة بصرامتها تجاه الهجرة، حيث أصبح الترحيل ليس مجرد سياسة حكومية، بل فرصة استثمارية ضخمة للشركات التي تبحث عن الربح.
وبحسب ما أوضحت "فايننشيال تايمز"، في تقرير موسع نشرته، اليوم الخميس، فإن إدارة ترامب وضعت الأسس لتوسيع نطاق استخدام الطيران في ترحيل المهاجرين، ما أدى إلى فتح الباب أمام موجة من العقود الضخمة لشركات خاصة، وأشارت إلى أن شركات متخصصة في النقل الجوي أصبحت في صدارة السباق للاستحواذ على عقود تدر أرباحًا هائلة، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية لتنفيذ عمليات الترحيل بسرعة وكفاءة.
ووفقًا للصحيفة، بلغت قيمة بعض هذه العقود مليارات الدولارات، حيث تسعى الحكومة الفيدرالية لضمان عمليات ترحيل جماعية تغطي آلاف المهاجرين، واعتبرت أن هذه السياسة لم تقتصر على البعد الأمني، بل رسخت نموذجًا اقتصاديًا قائمًا على استغلال حركة الترحيل وتحويلها إلى قطاع تجاري.
صناعة تحت الضوء
من جانبها، ركزت "الإندبندنت" في تقرير لها نشرته مايو الماضي، على أن هذه العقود أثارت جدلاً واسعًا، خصوصًا أنها تمنح أرباحًا ضخمة لشركات خاصة، بينما يعيش المهاجرون ظروفًا صعبة في مراكز الاحتجاز.
وأشارت الصحيفة إلى أن التنافس بين الشركات لم يعد يقتصر على شركات الطيران، بل شمل أيضًا مقاولين يقدمون خدمات لوجستية وأمنية مرتبطة بعمليات الترحيل.
ولفتت إلى أن هذه "الصناعة الجديدة" تحولت إلى نقطة تقاطع بين المصالح السياسية والاقتصادية، حيث يسعى ترامب لإظهار الحزم في ملف الهجرة، فيما ترى الشركات في ذلك فرصة لتعزيز إيراداتها عبر عقود طويلة الأجل.
ومن جانبها، أوضحت "أسوشيتد برس"، أمس الأربعاء، أن الطائرات التي تنقل المهاجرين باتت تُستخدم كأداة رئيسية في سياسة الهجرة الأمريكية، خاصة مع تزايد الضغوط لإظهار نتائج ملموسة في ملف السيطرة على الحدود، وأبرزت أن الإدارة اعتمدت بشكل متزايد على النقل الجوي لأنه يسمح بإتمام عمليات ترحيل جماعية في وقت قصير، مقارنة بالوسائل البرية.
وأضافت الوكالة أن هذه العمليات تُنفَّذ غالبًا بعيدًا عن أعين الإعلام والجمهور، ما جعلها مثار انتقاد من منظمات حقوقية اعتبرت أن السرية المحيطة برحلات الترحيل تزيد من غياب الشفافية وتفتح الباب أمام انتهاكات محتملة لحقوق المهاجرين.
شراكات مع القطاع الخاص
أما "ذا فيرج" فقد أوضح، في تقرير نشره يوليو الماضي، أن رحلات الترحيل الجوية تعكس تزايد الاعتماد على الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص في قضايا الهجرة، وأشار الموقع إلى أن الشركات لا تقدم فقط الطائرات، بل تتولى أيضًا خدمات متكاملة تشمل الأمن، والنقل الداخلي، والإشراف على المهاجرين أثناء الرحلات.
وأكد التقرير أن هذه الشركات باتت تُدار كشبكة متكاملة، تتقاطع فيها المصالح التجارية مع سياسات الدولة، ما يجعل ملف الترحيل ساحة مربحة لمزودين متعددين، ولفت إلى أن بعض هذه الشركات توسع نشاطها اليوم لتشمل قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا وأنظمة المراقبة المرتبطة بإدارة مراكز الاحتجاز.
وبحسب ما أوردته الإندبندنت، فإن هذه الصناعة المليارية لم تمر من دون إثارة مخاوف حقوقية، فقد أشارت الصحيفة إلى أن الرحلات الجوية كثيرًا ما تشمل عائلات بأكملها، بمن فيهم أطفال، يتم ترحيلهم في ظروف تفتقر إلى الضمانات الكافية، ورأت أن تحويل الترحيل إلى "مشروع تجاري" يهدد بجعل حقوق المهاجرين ثانوية مقارنة بالمصالح الاقتصادية.
كما أضافت الصحيفة أن منظمات حقوقية انتقدت بشدة ما وصفته بـ"تسليع المهاجرين"، محذرة من أن التركيز على الأرباح الضخمة قد يؤدي إلى تبرير انتهاكات على أرض الواقع، مثل الإسراع في الترحيل من دون النظر في ملفات اللجوء أو ضمان محاكمات عادلة.
تزايد الاحتجاجات
أشارت "أسوشيتد برس" إلى أن منظمات حقوقية نظمت سلسلة من المظاهرات للتنديد بهذه العقود، معتبرة أن الحكومة الأمريكية تفتح الباب أمام ما يشبه "الخصخصة الكاملة لسياسات الترحيل"، وذكرت أن بعض هذه الاحتجاجات نُظمت أمام مقار الشركات المتعاقدة، في محاولة للضغط عليها لوقف مشاركتها في هذه العمليات.
وأكدت الوكالة أن هذه التحركات الحقوقية باتت جزءًا من جدل أوسع حول سياسات ترامب، حيث يُنظر إلى الرحلات الجوية على أنها امتداد للنهج الصارم الذي اتسمت به إدارته في التعامل مع ملف المهاجرين.
وبحسب "فايننشيال تايمز"، فإن هذه العقود المليارية لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الذي أنتجها، حيث خلقت سياسات ترامب طلبًا متزايدًا على "خدمات الترحيل"، وهو ما انعكس في أرقام العقود الضخمة التي وُقّعت مع القطاع الخاص، وباتت هذه الصناعة تمثل أحد أوجه التحالف بين رأس المال والسياسة في الولايات المتحدة.
كما لفتت الصحيفة إلى أن استمرار هذه العقود حتى بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض يعكس قوة البنية الاقتصادية التي أُنشئت حولها، ما يجعلها سياسة يصعب التراجع عنها حتى مع تغير الإدارات.
الترحيل كرمز للسلطة
أما "ذا فيرج" فقد أشار إلى أن رحلات الترحيل لا تحمل فقط بعدًا اقتصاديًا أو أمنيًا، بل باتت رمزًا سياسيًا يُستخدم لإظهار الحزم، وأوضح أن صور الطائرات التي تقل المهاجرين تحولت إلى أداة بصرية تروّج لسياسات صارمة تجاه الهجرة، بما يسهم في تشكيل الرأي العام.
وأضاف الموقع أن هذه الرحلات، رغم كونها عمليات لوجستية في جوهرها، باتت تُوظَف كرمز للسيطرة على الحدود وحماية الأمن القومي، وهو ما يزيد من حضورها في الخطاب السياسي الأمريكي.
وبحسب الإندبندنت، فإن هذه الصناعة تكشف تناقضًا صارخًا بين الخطاب الحقوقي والواقع الاقتصادي، ففي الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة شعارات احترام حقوق الإنسان، يجد المهاجرون أنفسهم جزءًا من "صفقة تجارية" تُنفذ عبر عقود مليارية.
ورأت الصحيفة أن هذا التناقض يجعل قضية الترحيل واحدة من أكثر الملفات إثارة للجدل في الداخل الأمريكي.
ولم تعد رحلات ترحيل المهاجرين مجرد آلية حكومية لتنفيذ سياسة الهجرة، بل تحولت إلى صناعة قائمة بذاتها، تُديرها شركات خاصة وتُقدَّر بمليارات الدولارات، وبينما تحتفي هذه الشركات بعقودها الضخمة، يواصل الحقوقيون التحذير من مخاطر تحويل المهاجرين إلى "سلعة" في سوق تنافسي، حيث يصبح الربح أهم من الإنسان.