المجازر الميدانية في الجنوب.. كيف يعيد العنف تشكيل الانقسامات بسوريا؟

المجازر الميدانية في الجنوب.. كيف يعيد العنف تشكيل الانقسامات بسوريا؟
مسلحون في السويداء - أرشيف

أثارت موجة العنف الدامية في محافظة السويداء جنوب سوريا صيف 2025 صدمةً محلية وإقليمية، فهي لا تُمثل فقط فورا متعاقبة من القتل والاشتباكات، بل سجّلت أيضاً حالات إعدام ميدانية موثقة واستهدافاً للمدنيين، ما دفع منظماتٍ حقوقية محلية ودولية إلى دعوات عاجلة للتحقيق والمساءلة خاصة بعدما وثّقت حصيلة متصاعدة للقتلى والإعدامات الميدانية، فيما تتباين الأرقام بحسب المنهجية والمصادر، لكن مؤشرها العام واحد يتجسد في عنف واسع النطاق وانتهاكات جسيمة تطول المدنيين. 

اندلعت مواجهات واسعة في منتصف يوليو 2025 بين مسلحين محليين وميليشيات قبلية، وتصاعدت لتشمل تدخلات لقوات مسلحة وقصفاً جوياً، أدت إلى موجة واسعة من القتلى والدمار، وسجّل المرصد السوري لحقوق الإنسان أرقاماً متصاعدة، أبلغت في مراحل متفاوتة عن آلاف الضحايا ومئات الإعدامات الميدانية، فيما أضافت جهات توثيق أخرى أرقاماً وتفاصيل مختلفة حسب نطاق التغطية والمعايير المتبعة، هذا التباين يعكس صعوبة التوثيق الميداني في ظروف النزاع، لكنه لا ينفي وقوع عمليات قتل موجعة بما في ذلك إعدامات ميدانية منظمة.

وقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان في ما يتعلق بملف السويداء مقتل 1395 شخصاً من أبناء محافظة السويداء، غالبيتهم الساحقة من الطائفة الدرزية، بينهم 670 مدنياً أُعدموا ميدانياً على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية والقوات الرديفة لهما.

وفي سياق أوسع، بلغت الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ صباح الأحد 13 يوليو الماضي نتيجة الاشتباكات وعمليات الإعدام الميداني والقصف الإسرائيلي 1895 قتيلاً.

الأدلة والوثائق.. مشاهدات مقلقة 

فيديوهات وصورً، تم التحقق من بعضها من قبل وكالات دولية، أظهرت مشاهد إعدامات وتنكيلاً بالجثث، وبعض الشهادات أفادت بأن عناصرًا يرتدون زيّات شبه عسكرية صوّروا عمليات القتل نفسها، وكذلك تقارير إخبارية مستقلة أكدت وجود لقطات توثق عملية إعدام ميدانية لمدنيين في السويداء، ما عزز مطالب منظمات حقوقية بالتحقيق المستقل فورا في هذه الانتهاكات. 

أدانت منظمات حقوقية دولية الأمر ووصفت الأحداث بأنها قد تندرج ضمن فئات الانتهاكات الخطيرة التي تتطلب تحقيقاً عاجلاً ومستقلاً ومساءلة، ولفتت منظمات حقوقية سورية، ومنظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمات أممية الانتباه إلى انتشار الانتهاكات وتداعياتها على السكان المدنيين.

ودعت الحكومة الانتقالية والسلطات المعنية إلى فتح تحقيقات فورية، وحماية الشهود والضحايا، وتأمين وصول المساندة الإنسانية إلى المتضرّرين، كما أصدرت خبراء أمميون بيانات تحذيرية من موجة انتهاكات طائفية واجتماعية تهدد استقرار مناطق عدة في سوريا. 

الإطار القانوني الدولي

القانون الدولي الإنساني يحظر بوضوح الإعدامات الميدانية والاعتداءات المتعمدة على المدنيين ويفرض حماية خاصة على السكان، ومثل هذا السلوك قد يرقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية إذا ثبت النمط والنية والانتشار، ومع ذلك، فإن فرض المساءلة في السياق السوري يواجه عوائق عملية وسياسية فسوريا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية، والمرجعيات الدولية تواجه في كثير من الأحيان عراقيل سياسية في مجلس الأمن أو تحديات قضائية لفرض اختصاص دولي مباشر.

وفي المقابل، تستمر مسارات بديلة: تحقيقات أممية مستقلة، توثيق حفظ الأدلة من قبل منظمات المجتمع المدني لتحويلها لاحقاً إلى آليات محاكمات وطنية أو دولية عبر تراخيص قبول اختصاص أو آليات التقاضي في دول تمارس الولاية القضائية العالمية، فيما تؤكد تحليلات قانونية حديثة أن غياب طريقٍ سهل للمحاكمة الدولية لا يعني استحالة المساءلة إذا توفرت إرادة سياسية وتنسيق دولي لحماية الأدلة وملاحقة المتورطين. 

بحسب مراقبين، فإن الأسباب مركبة حيث تداخل مصالح مسلّحة محلية وإقليمية، وضعف مؤسسات العدالة الوطنية، وهروب مسؤولي النظام السابق أو تحول ولاءات محلية، بجانب عراقيل سياسية دولية تحول دون إحالة شاملة إلى محكمة دولية، وهذه العوامل خلقت مناخ إفلات من العقاب متكررًا، حيث تتحول الجرائم التكتيكية إلى فجوات في السلم المدني تفتح الباب لدوامات انتقامية جديدة، كما أن التوترات الطائفية والقبلية تضيف بعداً خطيراً في مناطق متعددة، ما يجعل أي حلّ أمني دون معالجة السياسات الجزئية والاقتصادية عرضة للفشل.

تداعيات إنسانية محتملة

إعدام مدنيين من فصيل طائفي أو عشائري يترك أثرًا عميقًا يتجسد في تفكك النسيج الاجتماعي، وهجرة داخلية وخارجية متزايدة، وتآكل ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وتصاعد نزعات الاستقلال المحلي أو الانتقام، وتغذي سياسات الإفلات من العقاب مناخ الانتقام وتزيد احتمال تجدد العنف على نطاق أوسع، كما تعيق جهود إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية التي تتطلب ضمانات إنصاف واضحة. 

وأوصت العديد من المنظمات الأممية والحقوقية بفتح تحقيق دولي ومستقل في أحداث السويداء تقوده الأمم المتحدة أو لجنة خبراء دولية، مع حماية شهود وتأمين حفظ الأدلة الرقمية والفيزيائية فوراً ودعم وتمويل منظمات المجتمع المدني المحلية لتوثيق الضحايا وحفظ السجلات بطريقة قابلة للاستخدام القضائي لاحقاً، وضمان وصول إنساني آمن للمساعدات وحماية المصابين ومرضى المستشفيات المتضررة، بجانب تفعيل آليات التتبّع القضائي في دول تملك تشريعات الولاية القضائية العالمية، والتنسيق مع مكتب الادعاء الدولي إذا توفرت الأرضية القانونية، ومنع إفلات المتورطين من العقاب إذا ثبُت تورطهم، مشددة على أن غياب المحاسبة السريعة يفتح الباب أمام مزيدٍ من الانقسام والانتقام. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية