بين الحرب والعنف الجنسي.. نساء السودان في قلب مأساة غير مسبوقة

بين الحرب والعنف الجنسي.. نساء السودان في قلب مأساة غير مسبوقة
نازحون سودانيون - أرشيف

منذ اندلاع النزاع في السودان في منتصف أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وجدت النساء أنفسهن في قلب مأساة غير مسبوقة. بين الاختطاف، والاعتقال، والاغتصاب، والاسترقاق، لم تعد الحرب مجرد مواجهة عسكرية بين طرفين، بل تحولت إلى ساحة يُستهدف فيها جسد المرأة وكرامتها كسلاح حرب منظم.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن معدلات الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات ارتفعت بنسبة تقارب 280% منذ بداية النزاع، في واحدة من أبشع صور الانتهاكات الممنهجة، بحسب ما ذكر موقع أخبار الأمم المتحدة، اليوم السبت.

في الخرطوم، وثّقت منظمات محلية ودولية اختطاف عشرات النساء والفتيات واحتجازهن قسراً لأشهر، حيث تعرضن للاسترقاق والاغتصاب المتكرر.

إحدى الناجيات، فضّلت إخفاء هويتها، روت قصتها عبر صديقتها الناشطة منيرة موسى أحمد: "تم اختطافها مع مجموعة من النساء خلال رحلة نزوحهن، حيث تم اقتيادهن إلى معتقلات سرية وتعرضن للاغتصاب اليومي، وكان نتاج ذلك حمل بعضهن قسراً".

هذا النمط من الانتهاكات لم يكن حادثاً عرضياً، بل سياسة ممنهجة اتخذتها قوات الدعم السريع لترهيب السكان المدنيين ودفعهم إلى النزوح.

معتقلات وسوق للنساء

تؤكد هالة الكارب، المديرة الإقليمية لمبادرة "صيحة"، أن نساء وفتيات احتجزن في مناطق الصالحة وسوبا شرق وجبل أولياء بالخرطوم، بل وتحدثت تقارير عن سوق في دارفور لبيع المختطفات.

المشاهد المروعة لم تقف عند الخرطوم، بل امتدت إلى ولايات دارفور، حيث تم توثيق حالات اختطاف لفتيات قاصرات واحتجازهن في مبانٍ عامة وخاصة تحولت إلى مراكز اعتقال سرية.

ومنذ عام 2003، دفعت نساء دارفور الثمن الأبهظ للنزاعات المتكررة. واليوم، ومع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من الإقليم، تفاقمت المعاناة.

في مخيم زمزم للنازحين، اختُطف 50 فتاة في عملية واحدة موثقة، وفي الفاشر، وثقت منظمات محلية احتجاز عشرات النساء القاصرات في منشآت عسكرية، وفي مخيم كلمة، سجّلت نقابة أطباء السودان 16 حالة اغتصاب خلال أيام، بينها حالات لنساء كبيرات في السن تعرضن لنزيف حاد.

ولم تجد الناجيات من هذه الانتهاكات يجدن سوى خيارين.. الصمت أو الانتحار، في ظل غياب الحماية وانعدام المساءلة.

اغتصاب جماعي وعلني

تصف هالة عبدالعزيز من حركة العدل والمساواة، ما يحدث بأنه تكرار لجرائم حرب دارفور الأولى (2003–2005): "عمليات اغتصاب منهجية وعلنية، استهدفت القرى غير العربية بدوافع عنصرية".

وتضيف أن بعض الحالات شملت اغتصاباً جماعياً أمام النساء الأخريات لإرهابهن، وأن أعمار الضحايا تراوحت بين 19 و75 عاماً.

وفق القانون الدولي الإنساني، يُعتبر الاغتصاب والاسترقاق الجنسي جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف (1949)، كما أن الاختطاف والاحتجاز مقابل الفدية أو البيع انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 3) ومخالفة صريحة لدستور السودان الذي يحظر الرق.

وتدخل هذه الانتهاكات ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، كونها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية عندما تُمارس بشكل واسع ومنهجي.

صرخة نسوية.. "لا للحرب"

رغم الألم، لم تصمت النساء، وأطلقت الحركة النسوية السودانية شعار "لا للحرب" منذ بداية النزاع، رافضة الانحياز لأي طرف، ومؤكدة أن النساء يدفعن دائماً الثمن الأبهظ في النزاعات المسلحة.

وجهت الصحفية سالي زكي رسالة إلى المنظمات الدولية تطالب فيها بتوفير حماية عاجلة للنساء في مناطق النزاع، ودعم طبي ونفسي ومادي للناجيات، وضمان مشاركة النساء في مفاوضات السلام وصنع القرار، بما يتناسب مع حجم معاناتهن.

نساء السودان اليوم يقفن في مواجهة واحدة من أبشع صور الحرب الحديثة: أجسادهن تحولت إلى ساحة معركة، وكرامتهن إلى وسيلة ابتزاز سياسي، ورغم الصمت الدولي المخزي، ما زالت أصواتهن تتحدى القمع وتطالب بالعدالة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية