بين الجوع والكوابيس.. ما تبعات القصف والحصار على صحة 1.1 مليون طفل في غزة؟

بين الجوع والكوابيس.. ما تبعات القصف والحصار على صحة 1.1 مليون طفل في غزة؟
بكاء أطفال من غزة

حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة "يونيسف"، في بيان لها، الثلاثاء، من أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة أصبحت جزءاً مرعباً من الواقع اليومي للأطفال وأن نحو 1.1 مليون طفل يعانون صدمات نفسية وعاطفية عميقة تؤثر في نموهم النفسي وسلامتهم طويلة الأمد، وتتقاطع هذه الأرقام مع مؤشرات تغذوية وصحية كارثية، إذ توثق وكالات الصحة ارتفاعاً حاداً في حالات سوء التغذية لدى أطفال غزة ووصول أجزاء من القطاع إلى عتبة المجاعة. 

تُشير تقارير الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية إلى أن الحالة في غزة بلغت مستوى مجاعة مؤكدة في مناطق محددة، مع أكثر من نصف مليون شخص يعانون من جوع قاتل بحسب تصنيف IPC ومنظمات الأمم المتحدة الصحية والغذائية.

وفي موازاة ذلك، وثّقت منظمات الصحة تزايداً حاداً في حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون الخامسة، بنحو 12,000 طفل مصاب بحالات حادة رُصدت في الأشهر الأخيرة، وهو رقم يعكس نفاد الإمدادات العلاجية والوقائية، كما أحصت اليونيسف وأونروا أعداداً كبيرة من المدارس والمرافق الصحية المتضررة، ما يقيد فرص التعافي خاصة أمام الأطفال على المدى القصير. 

أسباب الصدمات النفسية

الصدمات النفسية التي تعيشها الأجيال الصغيرة في غزة تنبع من تداخل عوامل مباشرة وغير مباشرة، وتشمل العوامل المباشرة التعرض للضربات الجوية والقصف والقتل وفقدان أفراد الأسرة، والتشوهات والإصابات المباشرة، فيما تتعلق العوامل غير المباشرة بتجويع السكان، انهيار الخدمات الصحية، انقطاع المياه والصرف، فقدان السكن والأمن الغذائي، وانهيار نظام التعليم الذي كان يوفر بعض الاستقرار النفسي. ويخلق تواتر العنف وغياب الآفاق المستقرة حالة مستمرة من الخوف المزمن واضطرابات النوم والكوابيس وفقدان الأمان الاجتماعي، وهي مكونات أساسية للصدمات المركبة لدى الأطفال.

الآثار العاجلة تظهر في ارتفاع حالات سوء التغذية والأمراض المعدية، وفي أعداد الوفيات الجارية بسبب الجوع ونقص الرعاية، فعلى المدى المتوسط، تنذر مستويات الصدمة التي تصل إلى ما يصفه مختصون بـ"الإجهاد النفسي المزمن" بتراجع الأداء المدرسي، وتزايد مشاكل السلوك، وتدهور الصحة العقلية، وعلى المدى الطويل، تبقى احتمالات تشكّل جيل يواجه صعوبات في التعلم والتواصل والعمل، مع تأثيرات متعدية على الاقتصاد والاجتماع السياسي في مرحلة إعادة الإعمار، وتشير التحذيرات العلمية والدراسات إلى أن التدخلات المتأخرة ستكلف المجتمع سنوات من الجهد لإعادة النسيج النفسي والتعليم والثقة المجتمعية.

ردود فعل حقوقية

اليونيسف دعت صراحة إلى وقف فوري للأعمال التي تعرض الأطفال للخطر وتسريع إيصال الإمدادات العلاجية والغذائية المتخصصة للأطفال، محذرة من أن ما يجري ليس مجرد استهداف للحياة اليومية وإنما هو استهداف لمقوّمات الطفولة نفسها، وأكدت الوكالات الأممية الأخرى، بما فيها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، نقصاً مدمراً في سلاسل الإمداد الغذائي والعلاجات الخاصة بسوء التغذية.

منظمات حقوقية دولية بارزة، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وثقت نماذج من الأضرار الممنهجة واعتبرت أن بعض سياسات الحصار وقيود الوصول قد تقترب من عناصر الجريمة بموجب المعايير الدولية، داعية إلى إجراءات تحقيق مستقلة ووقف ما يُعدّ تحريضاً على إضعاف المدنيين. 

القانون الدولي الإنساني يحظر استخدام التجويع وسيلة للحرب وحماية "الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين" مثل الغذاء والمياه والمرافق الصحية، وهذا الحظر مدعوم بقواعد واتفاقيات في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي أدخلت نصوصاً تصنّف الحرمان المتعمد من الغذاء وسيلة للحرب أنه جرائم يمكن التحقيق فيها، وبناء على ذلك، تدعو منظمات حقوقية وقانونية إلى فتح تحقيقات محايدة وسريعة في مزاعم منع الإمدادات وإعاقة المساعدات، ومحاسبة المسؤولين إذا ثبُت تورطهم في سياسات تسبّب المجاعة أو ترغم المدنيين على المعاناة. 

استجابة إنسانية عاجلة

تتفق توصيات الوكالات الإنسانية والمنظمات الحقوقية على عناصر إجرائية فورية تشمل وقف القتال وإتاحة وصول إنساني آمن ومباشر دون معوقات إلى كل المناطق، وتسليم وإعادة تخزين مواد التغذية العلاجية الجاهزة للأطفال، وتوسيع خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي المدرسي والمجتمعي، وحماية المدارس والمستشفيات من الاستهداف، وتسييل موارد عاجلة لصيانة شبكة المياه والصرف الصحي، وعلى المستوى الدولي تطالب المؤسسات بتمويل طارئ واسع، وتفعيل آليات رقابة لتوزيع المساعدات، وعودة التنسيق عبر منصات أممية بقيادة الأمم المتحدة لضمان الشفافية والوصول.

إلى جانب العمل الإنساني، تطالب منظمات حقوقية بمحاكمات أو تحقيقات مستقلة توثّق الانتهاكات بحق الأطفال وتحدد المسؤوليات، ويتضمن ذلك تمكين بعثات تحقيق أممية، ودعم جمع الأدلة بطريقة تحفظها للمساءلة القضائية، وتعاوناً دولياً مع مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية عند توفر معايير الاختصاص، وكذلك توصي منظمات حقوقية بتدابير وقائية لوقف أي سياسات قد تؤدي إلى تجريد السكان المدنيين من وسائل العيش الأساسية، باعتبار ذلك خرقاً للبنود الأساسية في القانون الدولي الإنساني.

التقاطع بين العنف المسلح والحصار وقيود الوصول جعل من غزة مسرحاً لأزمة نفسية وتغذوية وطبية شاملة للأطفال، وتحولات الصدمة ليست مجرد ظرف وقتي بل بوابة إلى إعاقة تنموية مؤكدة ما لم تُتخذ إجراءات فورية وجذرية، وتدعو اليونيسف ووكالات الصحة العالمية والمنظمات الحقوقية إلى وقف فوري للأعمال المسببة للمجاعة، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وتعزيز برامج الدعم النفسي والتغذية العلاجية، إلى جانب فتح تحقيقات مستقلة حول مزاعم انتهاك القوانين الإنسانية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية