بين الخصوصية والابتكار.. كيف تحمي البرازيل حقوق الأطفال على الإنترنت؟
بين الخصوصية والابتكار.. كيف تحمي البرازيل حقوق الأطفال على الإنترنت؟
دخلت دولة البرازيل مرحلة جديدة في تنظيم الفضاء الرقمي للأطفال بعد إقرار مجلس الشيوخ مشروع قانون لحماية حقوق الأطفال على الإنترنت، وانتظار توقيع الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لتحويله إلى قانون نافذ، ونصّ القانون على ضمانات للسلامة الرقمية وخصوصية افتراضية عالية للأطفال، ويفرض على منصات التكنولوجيا تصميم منتجات تراعي مصلحة القاصرين، مع حظر واضح لاستخدام بيانات الأطفال بطرق تسيء إلى خصوصيتهم أو تهدد حقوقهم ومصلحتهم الفضلى، ويأتي هذا التشريع استجابةً لقضايا موثّقة محلية ودولية حول استغلال بيانات الأطفال وابتذال صورهم في تدريباتٍ لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ما الذي يغيّره القانون عملياً؟
من أبرز أحكام مشروع القانون البرازيلي حظر تصنيف الأطفال لغرض استهدافهم بإعلانات سلوكية، وحظر استخدام بياناتهم الشخصية بطرق تسبّب انتهاكاً لخصوصيتهم أو تؤثر سلباً على مصلحتهم الفضلى، ويطلب النص كذلك اعتماد إعدادات خصوصية صارمة افتراضياً، وتوفير أدوات إشراف أبوية مرئية وسهلة الاستخدام، وفرض تدابير تحقق من العمر عندما تكون الخدمة مرشحة للوصول إلى قاصرين.
وبحسب "هيومن رايتس ووتش" تستجيب هذه الضمانات مباشرة للتحقيقات التي وثّقتها منظمات حقوقية عن حالات جمع بيانات طلاب واستعمال صور أطفال لتدريب نماذج ذكاء اصطناعي أُعيد توظيفها لاحقاً في تزييفات عميقة مسيئة.
الأسباب والوقائع الميدانية
تزايدت مخاطر تعريض الأطفال لمضايقات واستغلال إلكتروني في البرازيل على خلفية انتشار الوصول إلى الإنترنت بين القُصّر، فقد أظهر مسح وطني أن نحو 24.5 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاماً يستخدمون الإنترنت، بنسبة تغطية تقارب 93 بالمئة لهذه الفئة العمرية، ما يجعل قاعدة التعرض واسعة ومفتوحة على الانتهاك إن لم تُقرّ قواعد صارمة، إضافة إلى ذلك، كشفت تحقيقات حقوقية حالات فعلية لاستخدام صور الأطفال وصفتها بأنها مُنذرة بتداعيات خطيرة على سلامتهم وخصوصيتهم مستقبلاً، عبر توليد محتوى ضار أو تزييفات رقمية.
دعم حقوقي وضغوط صناعية
نالت خطوة إقرار القانون دعم منظمات حقوقية محلية ودولية طالبت بحماية فورية للأطفال في الفضاء الرقمي، معتبرة أن النص يتماشى مع مبادئ حماية الطفل المنصوص عليها في توجيهات الأمم المتحدة وبتوصيات صادرة عن جهات متخصصة في حقوق الطفل الرقمية، في المقابل، أبدت شركات التكنولوجيا تحفظات وعملت على إضعاف بعض الصياغات الأصلية خلال مسار التشريع، لا سيما كل ما يتعلق بآليات تطبيق صريحة مثل حظر صناديق المكافآت العشوائية في الألعاب أو إلزام الشركات بواجب رعاية واضح قد يفرض مسؤوليات تشغيلية ومحاسباتية كبيرة، وقد شكلت الموازنة بين حماية الطفل وعبء الامتثال التقني جوهر النقاش العام والبرلماني خلال الأيام الماضية.
الأطر القانونية الدولية والمحلية ذات الصلة
يتقاطع القانون الجديد مع نصوص لحماية البيانات في البرازيل، مثل قانون حماية البيانات العامة (LGPD) الذي يكرّس مبادئ خاصة لمعالجة بيانات الأطفال ويطلب موافقة الوالدين في حالات محددة، كما يُكَمِّل توجيهات دولية؛ فاللجنة الأممية لحقوق الطفل أصدرت توجيهاً عاماً يدعو الدول إلى ضمان حقوق الأطفال في الفضاء الرقمي، بما يشمل الحق في الخصوصية والسلامة الرقمية، كما دعا تقرير لهيئات أممية ومراكز بحثية إلى اعتماد معايير تصمّم من منظور مصلحة الطفل الفضلى. هذه التشريعات والإرشادات الدولية تمنح المبادرة البرازيلية سنداً معترفاً به عالمياً وفق المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
التداعيات المتوقعة
يعد هذا التشريع فرصة للحدّ من أخطار الاستغلال التجاري والتقني للأطفال وإحكام رقابة تشريعية على ممارسات تجارية كانت حتى وقت قريب شبه منظمة ذاتياً، ومن المحتمل أن يدفع تطبيق القانون الشركات إلى إعادة تصميم منتجاتها لتكون أكثر تحفظاً تجاه بيانات القاصرين، ما يقلل من مخاطر التعرّض للابتزاز أو الاستخدام غير الأخلاقي للصور والبيانات، وفي المقابل، يثير التشريع تحديات عملية حول كيفية التحقق الآمن والخصوصي من الأعمار، وتلافي إغراق الأسر بإجراءات بيروقراطية، وتفادي خلق بيئة حماية تؤدي إلى عزل رقمي يحرم الأطفال من فوائد التعليم والتعلم على الإنترنت، كذلك ثمة مخاوف حول التنفيذ العملي للالتزامات على شركات عالمية تعمل عبر الحدود، ومن ثم فثمة حاجة لتعاون دولي وتبادل معايير تقنية فعّالة.
منظمات المجتمع المدني والآليات الرقابية
منظمات محلية مثل "SaferNet Brasil" ومجموعات حقوقية دولية أبرزت أهمية إنشاء آليات شكاوى سريعة وفرق تحقيق متخصصة قادرة على الردّ على الانتهاكات الرقمية للأطفال، وسبق أن طالبت هيومن رايتس ووتش بسنّ قوانين تحظر استغلال صور الأطفال في مجموعات بيانات تدريبية للذكاء الاصطناعي، وأشارت إلى حالات فعليةٍ تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة، كما أن الهيئة الوطنية لحماية البيانات في البرازيل صدرت عنها توجيهات قائمة بالفعل بشأن معالجة بيانات القصر، ما يمكّن من إطار تطبيقي أولي للتشريع الجديد.
خطوات محورية
يمثل تشريع حماية حقوق الأطفال على الإنترنت في البرازيل قفزة تشريعية في وقتٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتكاثر معه المخاطر على الصغار، ولحماية فعالة، يتطلب القانون تنفيذ آليات رقمية ومعرفية تدعم خصوصية القاصر دون عزله عن فرصه التعليمية، وتطلب اشتراطات تقنية قابلة للتطبيق على مزوّدي الخدمات، وإجراءات تضامنية على مستوى الحكم الدولي لتحديد ممارسات عابرة للحدود. كما أن مراقبة تأثير التشريع في الميدان، وقياس مؤشر تعرض الأطفال للمخاطر بعد تنفيذه، يجب أن يكونا جزءاً من الاستراتيجية الوطنية إلى جانب برامج توعية للأسر والمؤسسات التعليمية حول وسائل الحماية والخيارات التقنية.
تبني البرازيل لهذه القواعد لا يحمّل الأطفال ولا أسرهم مسؤولية الوقاية وحدها، بل يدعو المجتمع الرقمي برمته إلى تحمل نصيبه في حماية الأجيال القادمة، فالقانون لا ينهي المخاطر بمجرّد توقيعه، لكنه يؤسس لقاعدة قانونية وإنسانية تمنح الأبناء مساحة واسعة للنمو على شبكة آمنة تحفظ كرامتهم وخصوصيتهم وفق هيومن رايتس ووتش.