انتخاب أمين عام الأمم المتحدة 2026.. حاجز أمان ضد حرب القوى العظمى
انتخاب أمين عام الأمم المتحدة 2026.. حاجز أمان ضد حرب القوى العظمى
يعد اختيار الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، المقرر في عام 2026، أحد أكثر الأحداث أهمية، حيث يطرح مبادرات ومخاوف حقوقية ودولية جوهرية حول قدرة المنظمة على منع حرب عالمية ثالثة بين القوى العظمى، وفقًا لما أوردته صحيفة "فاينانشيال تايمز" في تحليل نشرته، اليوم الأربعاء، والذي استعرض أبعاداً مهمة لهذا الاختيار الحاسم.
تأسست الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وفق إرادة فرانكلين د. روزفلت، استمراراً لتحالف تاريخي بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، بهدف أساسي هو منع حروب مدمرة مقبلة، إلا أن واقع المنعطفات والصراعات المتعددة التي شهدها العالم إضافة إلى التحولات السياسية وتنامي العلاقات المتقلبة بين القوى النووية، دفع بالأمم المتحدة إلى الحاجة الماسة لإعادة التركيز على مهمتها الأساسية، ألا وهي حفظ السلم والأمن الدوليين.
ووفقاً للصحيفة البريطانية، بنيت هذه الرؤية التاريخية التي انتهجها مهندسو المنظمة على أفكار رائدة، منها فكرة قوة دولية ثابتة تحيط بالأرض وتمنع أي اعتداء جديد، إلى جانب ترسيخ عصور من التعاون العالمي الذي يقود إلى استقرار اقتصادي وسلام مستدام، لكن المحاولة لم تكتمل كما هو مخطط له، إذ كانت العقبات متواصلة، وخاصة تعطل مجلس الأمن بفعل ممارسة حق الفيتو من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين، الأمر الذي صبّ في النهاية في مصلحة التلكؤ أمام تحولات عالمية خطيرة وأزمات متعددة.
وفي منتصف القرن الماضي، حدث تحول غير متوقع في نظرة العالم للأمين العام للأمم المتحدة، حيث تحول من موظف إداري إلى "بابا علماني" يتمتع بسلطة أخلاقية، ومستوى من النفوذ الدبلوماسي قادر على التحدث مع جميع الأطراف المتحاربة، وبالتالي اقترب من دوره: “صانع سلام عالمي لا غنى عنه خاصة في اللحظات التي يتعذر فيها على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات فاعلة”.
ومن أبرز الأمثلة التاريخية في هذا الإطار كان دور الأمين العام يو ثانت خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 الذي قدم دبلوماسية مُلحة ومستمرة مهدت الطريق عن طريق التراجع عن حافة الهاوية النووية، وهو الحدث الذي لم يحظَ بقدر كافٍ من التقدير في الذاكرة السياسية الحديثة.
سلسلة صراعات معقدة
في العقود التالية لعب الأمين العام خافيير بيريز دي كويلار دورًا مكثفًا في الوساطات التي أنهت سلسلة صراعات معقدة من كمبوديا إلى أمريكا الوسطى، رغم أن هناك إخفاقات كبيرة، كما حدث في رواندا، ولكن حتى في تلك اللحظات الفادحة ظل الأمين العام يُنظر إليه كأنه حَكَم محايد ودبلوماسي ذو ثقة عالية من مختلف الأطراف، ما أبرز قيمته الفريدة بوصفه مفوضاً أعلى للسلام.
اليوم تبدو الأمم المتحدة إلى حد ما غائبة عن المشهد الدولي في مناطق الصراع الساخنة من غزة إلى أوكرانيا إلى غرب المحيط الهادئ، ويغلب عليها الجمود السياسي والمحاصر بتحديات ضعف مجلس الأمن وعدم إجرائه الإصلاحات المطلوبة.
ووفقاً لتحليل "فايننشيال تايمز"، فبين المطالب المتكررة يأتي تحديث عضوية مجلس الأمن الدائمة بوصفه أحد أهم الخطوات التي يمكن أن تعزز شرعية المنظمة وتصحح نظام صنع القرار بحيث يعكس الواقع الجيوسياسي المعاصر، ويدعم احترام حقوق القوى الصاعدة مثل البرازيل والهند، بعيدًا عن الجمود الذي تعانيه منذ حقبة الحرب الباردة.
هذه التطورات التقنية والسياسية ليست منعزلة عن إطار مصالح وحقوق الشعوب والدول، إذ إن غياب فاعلية مجلس الأمن والأمم المتحدة بشكل عام يرسخ منطق القوة والقدرية على حساب احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، ما ينذر باتجاهات خطيرة لم تردها المنظمة التي سعت لحماية حق الشعوب في الأمن والحياة والسلام.
دور دولي مهم
وفي ضوء ذلك، تتطلب التحديات العالمية التي تتنوع من تغير المناخ وأزمات التكنولوجيا الحديثة إلى النزاعات المسلحة تعاونًا دوليًا حقيقيًا وفعالًا تستطيع الأمم المتحدة أن تلعب فيه دورًا حيويًا وضروريًا، غير أن هذا الدور يجب ألا يُبالغ في تقديره إلى درجة اعتبار المنظمة الحل الوحيد لكل مشاكل البشرية، بل ينبغي اعتباره أداة ضرورية وغالبًا ما تكون الملاذ الأخير في ظل غياب قنوات أخرى.
ويأتي عام 2026 بحسابات دقيقة عند اختيار الأمين العام القادم للأمم المتحدة، الذي ستُعينه الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن، وعادةً ما يكون اختيار المرشح الذي يحظى بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمين، في حين تصادق الجمعية العامة على هذه التوصية.
سيشارك في هذه العملية كبار القادة السياسيين التقليديين الذين يملكون صوتًا مؤثرًا، مثل دونالد ترامب وشي جين بينغ وفلاديمير بوتين، ما يعكس بوضوح كيف أن هذا القرار هو توازن معقد بين قوى عالمية كبرى لا يزال الصراع بينها يتربص بالأفق.
ومن الناحية الحقوقية يمثل هذا الاختيار لحظة فارقة، إذ إن على الأمين العام أن يتبنى مسؤولية حماية حق الشعوب في الحياة والسلام، وأن يكون وسيطًا نزيهًا قادرًا على المضي قدمًا في المهام الصعبة التي تتجاوز الجوانب الإدارية البحتة إلى مهام دبلوماسية وأخلاقية حاسمة تتعلق بحقوق الإنسان، والتي لا يمكن تحقيقها إلا عبر تعزيز السلام ومنع الصراعات المسلحة التي تهدد وجود الإنسانية جمعاء.
تتطلب هذه المسؤولية الأخلاقية وجود شخصية شجاعة وهادئة تعد حائط صد أمام السياسات العدوانية وممارسات القوة التي ترفع من خطر الحروب الكارثية.
لذلك، يمكن القول إن العملية التي تترقبها الساحة الدولية ليست مجرد تغيير إداري، بل هي اختبار حقيقي لقدرة البشرية على حماية حقوقها الأساسية، والعيش في أمان من ويلات الصراعات، وهو جوهر مهمته التي تأسست من أجلها الأمم المتحدة.










