ضحية كل 10 دقائق.. أرقام أممية تكشف اتساع دائرة قتل النساء داخل البيوت عالمياً

ضحية كل 10 دقائق.. أرقام أممية تكشف اتساع دائرة قتل النساء داخل البيوت عالمياً
احتجاجات ضد جرائم قتل النساء

أعاد تقرير أممي حديث تسليط الضوء على واحدة من أكثر الجرائم انتشاراً وصمتاً في العالم حيث كشفت بيانات الأمم المتحدة أن امرأة أو فتاة تُقتل كل عشر دقائق على يد شريك حميم أو أحد أفراد أسرتها، ويشير هذا الرقم إلى حجم مأساة إنسانية متواصلة يذهب ضحيتها آلاف النساء دون أن تلوح في الأفق مؤشرات حقيقية على التراجع.

وذكر موقع أخبار الأمم المتحدة في بيان له الاثنين أنه بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة صدر تقرير جرائم قتل الإناث لعام 2025 الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مؤكداً أن العام الماضي وحده شهد مقتل 83 ألف امرأة وفتاة حول العالم في جرائم عمدية.

وتوضح الأرقام أن 60 في المئة من جرائم قتل النساء ارتكبت في إطار العلاقات الأسرية أو العاطفية بما يعادل خمسين ألف امرأة وفتاة سنوياً، أي نحو 137 ضحية كل يوم، وهو ما يضع هذه الفئة من النساء والفتيات في صدارة ضحايا القتل المرتبط بالعلاقات الإنسانية المفترض أنها مصدر للأمان والدعم.

وفي المقابل لم تتجاوز نسبة جرائم القتل بحق الرجال على يد شركاء حميمين أو أفراد الأسرة إحدى عشرة في المئة، ما يعكس الطبيعة النوعية للظاهرة واستهدافها الأساسي للنساء.

عنف يبدأ قبل القتل

قالت سارة هندريكس مديرة قسم السياسات في هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن جرائم قتل النساء ليست حدثاً فردياً أو طارئاً بل هي في الغالب المرحلة الأخيرة في سلسلة ممتدة من الانتهاكات تبدأ بإساءة السيطرة والسلوكيات المتسلطة والتهديدات والمضايقات، ومنها عبر الإنترنت.

وأكدت أن هذا العنف الرقمي كثيراً ما يتحول من هجمات افتراضية إلى وقائع فعلية تهدد حياة النساء وقد تنتهي بالقتل. وأضافت أن ضمان الأمان للنساء في كل تفاصيل حياتهن يحتاج إلى أنظمة تدخل مبكر قادرة على رصد إشارات الخطر قبل تفاقمها وإلى قوانين تعي أن أشكال العنف الجديدة ليست منفصلة عن النتائج الأشد فداحة.

وأشار جون براندولينو المدير التنفيذي بالإنابة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن نتائج التقرير تعكس حاجة ملحة لتحسين أنظمة الوقاية واستجابات العدالة الجنائية.

وقال إن المنزل الذي يفترض أن يكون مكاناً للحماية يتحول في كثير من الحالات إلى أشد البيئات خطراً بل وقاتلاً للنساء والفتيات، محذراً من أن تفاقم الظاهرة يعني ضرورة التحرك باتجاه سياسات أشد فاعلية تواجه جذور المشكلة ولا تكتفي بمعالجة مظاهرها.

حملة أممية ورسائل تحذيرية

يتزامن نشر التقرير مع انطلاق حملة الأيام الستة عشر لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من نوفمبر وهو اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة وتمتد حتى العاشر من ديسمبر وهو يوم حقوق الإنسان، وتركز الحملة هذا العام على إبراز الارتباط بين العنف الرقمي والجرائم المميتة، وتنبه إلى أن الاعتداءات التي تبدأ على المنصات الرقمية قد تتحول إلى تهديد حقيقي لحياة النساء إذا لم تتوفر آليات قانونية ومجتمعية فعالة للحد منها.

وتوضح الأمم المتحدة أن جرائم قتل الإناث لا تدمر فقط حياة الضحية بل تمتد آثارها إلى أطفالها وأسرها ومجتمعاتها. فالأطفال الذين يشهدون العنف أو يفقدون أحد الوالدين نتيجة لجرائم القتل الأسرية يصبحون أكثر عرضة للاضطرابات النفسية والصعوبات التعليمية وتكرار دوائر العنف في حياتهم المستقبلية، وتؤكد الهيئات الأممية أن معالجة الظاهرة تتطلب النظر إليها بوصفها قضية تنموية وإنسانية وليست مجرد ملف جنائي.

ويشير التقرير إلى أن عدداً كبيراً من حالات قتل النساء لا يتم تصنيفها رسمياً على أنها جرائم قتل إناث بسبب تفاوت تعريف الجريمة بين الدول وضعف أنظمة التوثيق والإبلاغ، كما توجد دول لا تجمع بيانات نوعية عن الضحايا أو الظروف المحيطة بالجرائم ما يجعل الصورة الفعلية للظاهرة أكثر قتامة مما تظهره الإحصاءات المتاحة. وترى الأمم المتحدة أن تحسين آليات الرصد والتحقيق شرط أساسي لوضع سياسات فعالة وصياغة برامج حماية واقعية.

الحاجة إلى إرادة سياسية

يرى خبراء المنظمة الدولية أن مواجهة جرائم قتل الإناث لن تنجح ما لم تتبن الحكومات سياسات متماسكة تعالج الجذور الثقافية والاجتماعية للعنف. وتشمل هذه الجذور النظرة الدونية للنساء والأعراف التي تمنح الرجال سلطة غير متوازنة داخل الأسرة إضافة إلى الثغرات التشريعية التي تعجز عن حماية النساء من شركاء ذوي سوابق في ممارسة العنف، كما يشدد التقرير على ضرورة تدريب جهات إنفاذ القانون وتمكينها من التعامل مع مثل هذه الملفات بحساسية وكفاءة.

ويشير التقرير إلى أن الحلول ليست قانونية أو أمنية فقط بل يجب أن تترافق مع سياسات اجتماعية تشمل دعم النساء اقتصادياً وتمكينهن من الحصول على الرعاية الصحية والنفسية وتوفير شبكات حماية فعالة تساعدهن على الخروج من العلاقات الخطرة، كما يدعو إلى توفير ملاذات آمنة للنساء المعرضات للخطر وضمان احتياجاتهن الأساسية حتى لا يكن مجبرات على البقاء في بيئات تهدد حياتهن.

يعد قتل الإناث جريمة ترتبط بالنوع الاجتماعي وتعبر عن مستويات عميقة من عدم المساواة بين الرجال والنساء. وقد ظهر المصطلح بشكل رسمي في الأدبيات الحقوقية خلال تسعينيات القرن الماضي للإشارة إلى حالات القتل التي تستهدف النساء لكونهن نساء أو بسبب أدوارهن الاجتماعية في الأسرة والمجتمع.

وتتبنى الأمم المتحدة منذ عام ألفين وعشرة تقارير دورية ترصد تطور الظاهرة على مستوى العالم بهدف توفير بيانات تساعد الحكومات على وضع سياسات وقائية. وتوضح تقديرات دولية أن مناطق أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وإفريقيا جنوب الصحراء تمثل أعلى نسب لجرائم قتل الإناث لكن الظاهرة موجودة في جميع المناطق، ومنها الدول ذات الدخل المرتفع. 

ويؤكد الباحثون أن نجاح أي استراتيجية لمواجهة الظاهرة يعتمد على تكامل التشريعات مع حملات التوعية وتوسيع فرص النساء في التعليم والعمل وتوفير خدمات حماية فعالة، وفي ظل تطور أشكال العنف الرقمي أصبحت الحاجة إلى تحديث القوانين والتعامل مع المنصات الافتراضية بوصفها جزءاً أساسياً من البيئة التي ينشأ فيها العنف ضرورة ملحة لضمان حماية النساء والفتيات في مختلف مراحل حياتهن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية