ظاهرة تتفاقم.. فقر الأطفال يشتد في زمن النزاعات وأزمات المناخ والديون

ظاهرة تتفاقم.. فقر الأطفال يشتد في زمن النزاعات وأزمات المناخ والديون
فقر الأطفال

يواصل فقر الأطفال حول العالم التقدم في طريق خطير نحو الانهيار، وفق ما كشفه تقرير جديد صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، فقد أعادت المنظمة التحذير من أن الأعوام الأخيرة حملت ثلاثة أزمات متشابكة تهدد بإلغاء مكاسب تحققت بصعوبة على مدى عقود في حماية الأطفال والحد من حرمانهم، وتشير المنظمة إلى أن النزاعات المسلحة، والتغير المناخي، والأزمات المالية المرتبطة بتفاقم الديون، باتت تشكل مثلثاً يضغط بقوة على حياة الأطفال ومستقبلهم، ويحوّل عالم الطفولة إلى ساحة تتقاطع فيها المخاطر والتهديدات.

ويحمل التقرير الصادر بعنوان حالة أطفال العالم 2025 على موقع المنظمة الرسمي، قراءة عميقة في واقع الفقر العالمي بين الأطفال، لكنه يعرض صورة قاتمة توضح حجم الانحدار الذي قد يشهده العالم إذا استمرت الأزمات الثلاثة في الاتساع والتفاعل، فاليوم، يعيش أكثر من 400 مليون طفل في فقر نقدي مدقع، في حين يواجه عدد مقارب حرماناً شديداً من أساسيات لا يمكن تصور حياة آمنة من دونها، وتشمل هذه الأساسيات التعليم والرعاية الصحية والتغذية والسكن الملائم وحصولهم على المياه الآمنة، وهي حقوق راسخة يضعها الفقر المتفاقم على حافة التلاشي.

وتشير بيانات اليونيسف إلى أن تأثير الأزمات الثلاث لم يعد مقتصراً على المجتمعات الهشة أو الدول منخفضة الدخل، بل تحول إلى أزمة عالمية تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على نطاق واسع، فالطفل الذي يفقد مقعده الدراسي، أو يضطر للنزوح مع أسرته، أو يعاني سوء التغذية، هو طفل يواجه انقطاعاً حاداً في مسار حياته، ويُترك في مواجهة مستقبل تحكمه الظروف القاسية لا الفرص.

توسع النزاعات وآثارها

يرصد التقرير أن النزاعات المسلحة أصبحت اليوم تؤثر في حياة الأطفال بقسوة مضاعفة مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة عقود، فالمدارس تتحول إلى أطلال، والمستشفيات تفقد قدرتها على تقديم الرعاية، والبيوت التي كانت ملاذا آمناً تُترك خاوية بعد موجات النزوح المتتالية.

ومع كل ذلك، تزداد دوامة الفقر اتساعاً كلما طال أمد العنف، إذ يعد النزوح واحداً من أكبر العوامل التي تدفع العائلات إلى فقدان مصادر دخلها وتستبدلها بسبل حياة هشة وغير مستقرة.

ويظهر في التقرير أن الملايين من الأطفال اليوم ينشؤون في بيئات لا تتوفر فيها أدنى درجات الأمان، ما يترك أثراً طويل الأمد على صحتهم النفسية والجسدية، ويقوّض قدرتهم على التعلم والتطور، ويجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والعمالة المبكرة.

المناخ في مواجهة الطفولة

يضيف التغير المناخي طبقة جديدة من المعاناة، إذ يعيش نحو مليار طفل في مناطق تواجه أخطاراً حادة بسبب تداعيات الأزمة المناخية، من موجات الجفاف الممتدة إلى الفيضانات والانهيارات التي تجرف البيوت والمزارع وتقطع الطرق المؤدية للمدارس والمراكز الصحية، وتُظهر المنظمة أن الأطفال الذين يعانون أصلاً من الفقر هم الأكثر تأثراً بتغير المناخ، لأنهم يعيشون في مناطق أقل قدرة على التكيف، ولأن أسرهم غير قادرة على التعافي السريع أو إعادة البناء بعد الكوارث.

وتؤكد اليونيسف أن الكوارث المناخية تسببت خلال السنوات الأخيرة في توسيع فجوة الفقر، حيث فقدت آلاف الأسر أراضيها الزراعية ومصادر رزقها التقليدية، ما رفع معدلات سوء التغذية بين الأطفال وعمّق دائرة الحرمان.

أزمة الديون وتقليص الخدمات

يمثّل العبء المالي الواقع على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الجزء الثالث من هذا التهديد العالمي، فمع تضخم الديون الخارجية وتراجع المساعدات الدولية، تجد الحكومات نفسها أمام خيارات قاسية تضع مستقبل أطفالها في المرتبة الأخيرة. وفي العديد من الدول، تجاوزت المدفوعات السنوية لفوائد الديون حجم الميزانيات المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم مجتمعين، وهو مؤشر ينبئ بانزلاق كبير نحو مزيد من الحرمان.

ويشير التقرير إلى أن ملايين الأطفال يفقدون إمكانية الوصول إلى اللقاحات الأساسية أو العلاج الطبي أو التعليم الجيد نتيجة تقليص الإنفاق العام وتراجع قدرة المؤسسات الوطنية على توفير الخدمات الأساسية في الوقت المناسب.

حلقة الأزمات المتشابكة

يرى الخبراء في اليونيسف أن أخطر ما في المشهد ليس حجم كل أزمة على حدة، بل الطريقة التي تتفاعل بها هذه الأزمات لتشكيل حلقة متسارعة تُضعف قدرة المجتمعات على الصمود، فالكوارث المناخية التي تدمر الأراضي الصالحة للزراعة قد تؤجج صراعات حول الموارد النادرة، ما يؤدي إلى مزيد من النزوح، وهو بدوره يضغط على الخدمات العامة التي تعاني أصلاً من نقص التمويل.

وفي المقابل، تدفع الصدمات المالية الدول إلى الاقتراض لتغطية الاحتياجات الطارئة، ما يعمق أزمة الديون ويمس القدرة على دعم الأطفال.

ورغم هذه الصورة القاتمة، يؤكد التقرير أن العالم استطاع خلال العقود الماضية تحقيق تقدم حقيقي في مكافحة فقر الأطفال، وهو ما يدل على أن الوضع ليس قدراً محتوماً وأن المعالجات ممكنة عندما تتوفر الإرادة السياسية ويتم وضع الأطفال في صدارة الأولويات.

حدود قابلة للكسر

تشير الأرقام إلى أن نسبة الحرمان الشديد بين الأطفال تراجعت بمقدار الثلث منذ عام 2000، وأن عدد الأطفال الذين يعيشون في فقر نقدي مدقع انخفض من أكثر من خمسمئة مليون إلى نحو أربعمئة مليون. 

وترى المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل أن هذه المكاسب قابلة للحفاظ عليها إذا التزم العالم بتحويل السياسات وخطط التمويل باتجاه حماية الأطفال، مشددة على أن التراجع الراهن يمكن وقفه إذا تم التعامل مع الأزمات باعتبارها تهديداً مشتركاً يستوجب استجابة جماعية.

وتضيف أن المستقبل لا يزال قابلاً للتغيير إذا أعادت الحكومات والمؤسسات الدولية ترتيب أولوياتها ومنحت الأطفال نصيباً عادلاً من الموارد والإمكانات، معتبرة أن الاستثمار في الطفولة ليس إنفاقاً إضافياً بقدر ما هو حماية للمستقبل العالمي.

بدأت اليونيسف إصدار تقارير حالة أطفال العالم منذ عقود لتكون مرجعية دولية لرصد أوضاع الطفولة عالمياً، وتركز هذه التقارير على تحليل مسار التنمية وحجم التقدم أو التراجع في مجالات الصحة والتعليم وتغذية الأطفال والحماية من العنف والاستغلال، ويأتي تقرير عام 2025 في لحظة حساسة تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية والمناخية والسياسية، ما يجعل نتائجه تحذيراً شديداً من إمكانية تراجع العالم عن التزاماته تجاه الأطفال. 

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن السنوات العشر الأخيرة شهدت تضاعف عدد الدول التي تعاني أزمات ديون حادة، وتزايد عدد النزاعات في مناطق الساحل والشرق الأوسط وأجزاء واسعة من آسيا، إضافة إلى تفاقم الكوارث المناخية التي أثرت في أكثر من مليار ونصف إنسان، معظمهم من الأطفال، وتدعو المنظمة إلى تبني سياسات عالمية تعطي الأولوية لحماية الطفولة عبر تعزيز التمويل الاجتماعي، وتوسيع شبكات الحماية، وتحديد مسارات استثمار تمكن الأجيال الجديدة من العيش في عالم أكثر عدلاً واستقراراً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية