التمييز داخل الزي الرسمي.. رسائل عنصرية تضرب شرطة لوزان وتضعف ثقة الجمهور؟
التمييز داخل الزي الرسمي.. رسائل عنصرية تضرب شرطة لوزان وتضعف ثقة الجمهور؟
أفرجت النيابة العامة في سويسرا عن محادثات ومواد صادمة جرت بين عناصر في شرطة لوزان، تضمنت تعليقات عنصرية، و"نكات" جنسية، وتصريحات معادية للمثليين والمثليات، وعبارات تمجّد النازية ومجموعات الكراهية، إلى جانب سخرية من الأشخاص ذوي الإعاقة مما أثار جدلاً حقوقيا وشعبياً.
بداية القضية بحسب ما أورده موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية يوم الثلاثاء ارتبطت بصورة لشرطي واقفاً بجانب غرافيتي يخلّد ذكرى مايك بن بيتر، المواطن النيجيري الأسود الذي توفي أثناء تدخل للشرطة عام 2018، وظهر الشرطي بإيماءة أثارت سخطاً واسعاً قبل أن تؤدي تلك الصورة إلى مصادرة هاتفه والكشف عن محادثات جماعية.
أظهر التحقيق مشاركة 48 عنصراً في المحادثات، ما يعادل نحو 10 بالمئة من قوة شرطة المدينة، وهو رقم أثار قلق القيادة المحلية والسكان على حد سواء، وأوقفت البلدية مبدئياً ثمانية عناصر وأعلنت عن مواقف رسمية تدعو إلى تحقيق شامل وإصلاحات داخلية، ووصف خبراء مرجعيون الظاهرة بأنها ليست مجرد ممارسات فردية بل مؤشر على ثقافة فرعية ازدهرت لسنوات في سويسرا في ظل "صمت الأقران" الذي حال دون الإبلاغ والتدخل المبكر.
مضمون الممارسات وأثرها الميداني
الرسائل المسربة لم تقتصر على ألفاظ جارحة داخل مجموعات خاصة، بل رفعت التساؤلات حول ممارسات شرطية ميدانية قد تكون متأثرة بتلك القناعات، وباتت مصطلحات مثل "التوقيف بناء على الصورة النمطية" متداولة بين معارضي سلوكيات بعض الجهات الأمنية، لأن عمليات التفتيش والتوقيف تُمارَس أحياناً على أساس ملامح خارجية أو خلفية اجتماعية لا على سلوك فعلي للشخص.
تقارير منظمات حقوقية ومحاكم أوروبية سبق أن أظهرت وجود حالات عنصرية ومنهجية للتوقيفات التمييزية في سويسرا، ما يجعل النصوص المسربة مسألة ذات تبعات تتجاوز لوزان وحدها، وفق منظمة العفو الدولية.
قائد شرطة لوزان ورئيس البلدية وصَفوا المواد بأنها "تتعارض مع القيم" وأكدوا على ضرورة إصلاحات عميقة، وفي المقابل دافع اتحاد ضباط الشرطة عن أن بعض التعبيرات قد تواجه تبريراً على أساس أنها محادثات خاصة بين زملاء بعد خدمة مرهقة، مع رفض قاطع لأي عنف أو تحريض، وفي الوقت ذاته، دعا نائبون وناشطون وممثلون عن مجتمعات متضررة إلى إجراءات فورية تشمل تعليقاً مؤسساتياً أوسع، وتحقيقات مستقلة، ونشر سياسات واضحة لمنع التمييز داخل الأراضي السويسرية.
الإبلاغ عن التمييز
تشير بيانات مراكز الاستشارة المعنية بالعنصرية إلى ارتفاع حاد في البلاغات؛ سجّل عام 2024 نحو 1,211 حالة مُبلّغاً عنها، بارتفاع يقارب 40 بالمئة على العام السابق، واللجنة الفيدرالية لمكافحة العنصرية جمعت بيانات تظهر أن جزءاً مهماً من هذه الوقائع يرتبط بجهات إنفاذ القانون والجمارك والسجون، مع رصد نحو 116 حادثة متصلة بجهات إنفاذ القانون و76 حالة خاصة بالشرطة نفسها، وتلك الأرقام توضح أن الشكاوى الميدانية تتزايد وأن ثمة حاجة ملحّة لرصد مستقل ومنظّم للانتهاكات.
الارتفاع الملحوظ جاء بالتزامن مع تصاعد الأزمات الجيوسياسية والنزاعات الدولية، ما أوجد مناخًا خصبًا لانتشار خطابات الكراهية والتمييز، ودفع منظمات حقوق الإنسان والهيئات الأممية إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بإجراءات حازمة لتعزيز التسامح والتعايش السلمي.
مواقف المنظمات الحقوقية
أعاد كشف محادثات لوزان تداول تقارير سابقة للأمم المتحدة وخبراء دوليين حذرت من وجود عنصرية مؤسسية في سويسرا وتوصّت بإصلاحات هيكلية، وقد دعت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والمنظمات المحلية إلى تحقيقات مستقلة ومساءلة فعّالة وشفافة، وإلى اعتماد آليات رقابية غير تابعة للشرطة نفسها، كما أعاد ملف لوزان إلى الأذهان سابقة قضائية مهمة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أدانت سويسرا في قضية تتعلق بالتفتيش على أساس الصورة النمطية، ما يضع الدولة أمام التزامات قانونية لحماية الحقوق ومنع التمييز.
هيئات أوروبية مثل لجنة أوروبا لمناهضة العنصرية والتعصب (ECRI) ومؤسسات الاتحاد الأوروبي الحقوقية عرضت توصيات مرجعية تتضمّن إنشاء آليات مستقلة للشكوى والتحقيق، جمع بيانات منهجية عن عمليات التفتيش والاحتجاز مصنّفة حسب الأصل العرقي أو الخلفية لإمكان تقييم التمييز، وتدريب إلزامي ومراجع لسلوك الشرطة، وتطبيق معايير شفافة للمساءلة، كما تشير الوثائق المرجعية كذلك إلى ضرورة تحمّل الإدارة مسؤولية الثقافة المؤسسية وإطلاق برامج تحولية بعيدة المدى.
تاريخياً، واجهت سويسرا نقاشات متقطعة حول الذاكرة الاستعمارية وطرق اندماج المهاجرين، تقارير رسمية أقرّت سابقاً بوجود أنماط من التمييز البنيوي في قطاعات عدة، سياق لوزان يتقاطع أيضاً مع توترات اجتماعية محلية مرتبطة بفقر وتمييز اقتصادي ومشاعر تهميش بين شباب من أصول مهاجرة، ما يجعل الاستياء الشعبي وتصاعد نقاط الاحتكاك مع الشرطة أرضية خصبة لتفجر الأزمات عند وقوع حوادث عنف أو وفيات مرتبطة بتدخلات أمنية.
كشفت محادثات شرطة لوزان عن مشكلة أعمق من مشكلات فردية، بحسب منظمات حقوقية تعد اختبار لقدرة المؤسسة الأمنية على مواجهة ثقافة سلبية لم تُصبن عليها الإصلاحات الكافية، لافتة أن المسار أمام السلطات واضح من خلال تحقيقات مستقلة، إجراءات إدارية وقضائية ضد المخالفين، جمع بيانات شفافة، وتعزيز آليات الشكوى والرقابة خارج المؤسسة الأمنية، كما أن على الدولة أن تتفاعل مع المطالب المجتمعية لمعالجة الجذور الاجتماعية للتمييز، وَفقاً للمعايير الدولية في حماية الحقوق وعدم التمييز.