استثمار يفتقر للأمان.. عائلات الضحايا تفضح ثغرات الأمان في الذكاء الاصطناعي

انتحار المراهقين يحرك معركة حقوقية عالمية

استثمار يفتقر للأمان.. عائلات الضحايا تفضح ثغرات الأمان في الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي - أرشيف

تتسارع التطورات حول واحدة من أبرز شركات الذكاء الاصطناعي في العالم، “أوبن إيه آي” التي تقف اليوم أمام اختبار حقوقي حاسم بعد حوادث انتحار وقتل ارتبطت بتفاعلات مع روبوتات الدردشة التي طورتها الشركة، وعلى رأسها “شات جي بي تي”. القضية لم تعد مجرد نقاش تقني أو اقتصادي، بل تحولت إلى ملف إنساني حقوقي، حيث يتصدر حق الأطفال في السلامة والحماية صدارة المشهد.

بحسب ما نشرته "فايننشال تايمز"، وجّه المدعيان العامان في ولايتي كاليفورنيا وديلاوير رسالة رسمية إلى مجلس إدارة “أوبن إيه آي” أعربا فيها عن "مخاوف جدية" عقب وفاة عدد من مستخدمي روبوتات الدردشة، معتبرين أن الضمانات الموضوعة حتى الآن "لم تُجدِ نفعًا"، وقد هزّت هذه الحوادث، كما قالت الرسالة، ثقة الجمهور في الشركة.

تعود جذور الأزمة إلى حوادث مؤلمة، منها انتحار شاب يبلغ 16 عامًا في كاليفورنيا بعد تفاعلات مطولة مع روبوت دردشة أوبن إيه آي، إضافة إلى حادثة قتل وانتحار في ولاية كونيتيكت وُصفت بأنها "مقلقة للغاية".

وأوضحت “أسوشيتد برس” أن عائلة المراهق، آدم راين، رفعت دعوى قضائية ضد" أوبن إيه آي" ورئيسها التنفيذي سام ألتمان الشهر الماضي، محمّلة الشركة المسؤولية عن المأساة.

هذه الوقائع، كما قالت الوكالة، أبرزت حجم المخاطر الواقعية التي قد تنتج عن التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي في غياب ضمانات سلامة قوية.

سلامة الأطفال أولوية

اتخذ المدعي العام في كاليفورنيا روب بونتا والمدعية العامة في ديلاوير كاثلين جينينغز، موقفًا صارمًا، إذ أعلنا في رسالتهما أن "السلامة أولوية غير قابلة للتفاوض، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال".

ومن جانبها، أشارت صحيفة "بوليتيكو" إلى أن الرسالة جاءت بلهجة شديدة قد تكون لها تداعيات كبيرة على خطة إعادة هيكلة "أوبن إيه آي"، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وأكد المدعيان العامان أن الوفيات الأخيرة "غير مقبولة"، وطالبا بمزيد من المعلومات حول تدابير السلامة والحوكمة في الشركة.

ويعكس هذا الموقف من زاوية حقوقية مسؤولية السلطات العامة في ضمان حماية الفئات الأكثر ضعفًا، وخاصة الأطفال والمراهقين، من المخاطر المحتملة للتقنيات الجديدة.

إعادة الهيكلة

تأخذ القضية بُعدًا إضافيًا يتجاوز الجانب الإنساني، إذ ترتبط بشكل مباشر بمستقبل أوبن إيه آي القانوني والاقتصادي.

أوضحت "فايننشال تايمز" أن بونتا وجينينغز يلعبان دورًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان يمكن للشركة المضي قدمًا في إعادة هيكلتها، بما يسمح للمستثمرين بالاستحواذ على أسهم تقليدية وإطلاق الطرح العام المحتمل، لكن هذه الخطط تواجه الآن تهديدًا مباشرًا إذا لم تتمكن "أوبن إيه آي" من إثبات تحسينات ملموسة في السلامة.

وذكرت "بوليتيكو" أن "أوبن إيه آي" تسعى إلى التحول إلى شركة ذات منفعة عامة لجذب استثمارات إضافية تُقدر بنحو 40 مليار دولار، غير أن المدعيين العامين فتحا تحقيقات في خطط الشركة، ما قد يعطل أو يوقف عملية إعادة الهيكلة برمتها.

رد الشركة

في مواجهة هذه الضغوط، أصدرت الشركة بيانات تعهدت فيها بإجراءات جديدة، ونقلت "أسوشيتد برس" عن رئيس مجلس الإدارة بريت تايلور قوله: "نشعر بالحزن الشديد إزاء هذه المآسي، ونعرب عن خالص تعازينا لعائلات الضحايا، السلامة هي أولويتنا القصوى".

وبحسب "بوليتيكو"، أكدت الشركة أنها ستطرح قريبًا أدوات رقابة أبوية موسعة، بما في ذلك إخطار أولياء الأمور عندما يكتشف النظام أن المراهق يمر بأزمة. 

وأضاف تايلور أن “شات جي بي تي” يتضمن بالفعل ضمانات مثل توجيه الأشخاص إلى خطوط المساعدة في حالات الأزمات، مشيرًا إلى أن "أوبن إيه آي" تعمل مع خبراء لتحسين هذه الحماية.

لم تُقنع هذه التصريحات المدعين العامين بالكامل، فقد قال روب بونتا لـ بوليتيكو: "أُقدّر كلماتكم.. إنها بداية جيدة، لكننا بحاجة إلى رؤية العمل، وننتظره بفارغ الصبر".

أشارت "فايننشيال تايمز" و"أسوشيتد برس" إلى أن مجموعة من 44 مدعيًا عامًا من الحزبين كتبت إلى الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما فيها "أوبن إيه آي"، تحذر من أن "الأضرار المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل فوائده، تُقزّم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي".

وكتبت المجموعة في رسالتها: "إذا آذيتم الأطفال عمدًا، فستُحاسبون على ذلك"، هذه الصياغة تعكس بوضوح لهجة حقوقية–قانونية صارمة، تضع حماية الأطفال في قلب التزامات هذه الشركات.

السياق الأوسع

وليست "أوبن إيه آي" وحدها في مرمى الانتقادات، فالسياق الأوسع يتمثل في سباق محتدم بين شركات مثل "أنثروبيك"، "ميتا"، "غوغل"، "إكس إيه آي" التابعة لإيلون ماسك، لتسويق تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن هذا السباق خلق توترًا بين الحفاظ على السلامة وتسويق التقنية، أما "أسوشيتد برس" فقد نقلت انتقادات حادة وُجهت إلى"ميتا" بسبب روبوتات الدردشة التابعة لها التي اتُّهمت بأنها مارست "سلوكيات تلاعب عاطفي" مع الأطفال.

ومن هذا المنظور، فإن قضية "أوبن إيه آي" تُعد نموذجًا أوسع لتحدٍّ عالمي: كيف يمكن الموازنة بين الابتكار السريع في الذكاء الاصطناعي وضمان احترام حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق الفئات الهشة.

وتؤكد كلمات المدعيين العامين أن السلامة لم تعد خيارًا بل التزام قانوني وأخلاقي، وأن مستقبل شركات الذكاء الاصطناعي مرهون بقدرتها على الوفاء بمسؤولياتها تجاه المجتمع.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية