فتيات خارج المدارس.. هل يعيد النظام التعليمي في إيران إنتاج التمييز الجندري؟

فتيات خارج المدارس.. هل يعيد النظام التعليمي في إيران إنتاج التمييز الجندري؟
فتيات خارج المدارس في إيران- أرشيف

في قرى بعيدة عن المدن الإيرانية، وعلى سفوح الجبال التي يلفها الصمت، تفقد فتيات صغيرات حقهن في المدرسة قبل أن يكتمل وعيهن بالحياة.. التعليم بالنسبة لهن ليس جسراً نحو المستقبل، بل باباً موصداً بالأعراف والتقاليد، والفقر البنيوي، وسياسات التهميش، هنا، لا أحد يصغي إلى أصواتهن المبحوحة، وصمتهن يختصر أقسى أشكال الظلم الاجتماعي.

ويؤكد علماء الاجتماع، وعلى رأسهم بيير بورديو، أن الفقر ليس مجرد غياب للمال، بل دائرة ثقافية واجتماعية مغلقة يعاد إنتاجها عبر الأجيال، وفي المجتمعات الريفية المحرومة، يظهر هذا بوضوح.. فالفتيات يُجبرن على ترك التعليم لأن الأسرة تفتقر إلى المال والثقافة الكافية لتقدير قيمة المدرسة، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الثلاثاء. 

الكلفة لا تقتصر على الرسوم، بل تشمل المواصلات والكتب والدروس الخصوصية، وهي أعباء تعجز الأسر عن تحملها، وعندما تضطر الأسرة للاختيار، غالباً ما يُمنح الابن فرصة الاستمرار، فيما تُترك الفتاة في المنزل بحجة الزواج أو "الحفاظ على السمعة".

السلطة الذكورية والعنف

لا ينبع رفض تعليم الفتيات من عداء للعلم، بل من سلطة ذكورية راسخة تجعل التعليم يبدو تهديداً للعرف، مفاهيم مثل "الشرف" و"الغيرة" تتحول إلى رأسمال رمزي يستخدم لتبرير إقصاء الفتيات. 

هذه ليست مجرد قناعات فردية، بل جزءاً من نظام اجتماعي يعاد إنتاجه باستمرار عبر الأسرة والدين والتعليم، النتيجة أن المدرسة تتحول من مساحة للتحرر إلى جدار يكرّس الإقصاء.

يتحول الزواج المبكر إلى أداة أخرى لإعادة إنتاج اللامساواة. الفتاة في الريف تُعتبر "عبئاً اقتصادياً" يمكن تحويله إلى "رأسمال اجتماعي" عبر تزويجها. 

وهكذا تفقد الفتاة حقها في المدرسة لتتحول إلى وسيلة بقاء داخل بنية مجتمعية ظالمة. ومع ضعف الرأسمال الثقافي داخل هذه الأسر، يبقى الزواج المبكر خياراً طبيعياً في نظرهم، بينما هو في الحقيقة تكريس لدوائر الفقر والتمييز.

التعليم وتسييس المدرسة

بدلاً من أن يكون التعليم أداة للعدالة، يتحول في إيران إلى وسيلة لإعادة إنتاج السلطة والهيمنة الثقافية. ففي بعض القرى، يتعلم الأطفال من معلم واحد يدرّس جميع الصفوف بلغة فارسية لا يتحدثها 90% منهم في منازلهم، بينما ينعم أطفال المدن بصفوف حديثة ووسائل تعليمية متقدمة، هذا التناقض يكشف كيف يتم توزيع الموارد بطريقة تعمّق الفجوة بدلاً من ردمها.

انقطاع الفتيات عن التعليم لا يترك أثراً تعليمياً فحسب، بل يولد ندوباً نفسية واجتماعية طويلة الأمد، الفتاة التي تُجبر على ترك المدرسة تفقد ثقتها بنفسها، وتشعر بأنها غير مرئية أو مسموعة. 

ومع مرور الوقت، يتحول هذا الإقصاء إلى شعور بالدونية والعجز عن الحلم بمستقبل أفضل. والمرأة غير المتعلمة تصبح أقل قدرة على المشاركة في سوق العمل أو الحياة السياسية، ما يعيد إنتاج الحلقة ذاتها في الجيل التالي.

إعادة إنتاج اللامساواة

توضح نظرية بورديو أن المدرسة لا تلغي الفوارق، بل تمنحها شرعية. من خلال المناهج المركزية، واللغة المفروضة، وآليات التقييم، يعاد إنتاج السلطة نفسها. 

هذا ما يحدث اليوم في إيران، حيث تتضافر العوامل الاقتصادية والثقافية والسياسية لتشكيل "هابيتوس الحرمان"، الذي يقطع الطريق أمام الفتيات في الأطراف ويمنعهن من التفكير في مستقبل بديل.

ولا تكفي الحلول الشكلية، مثل بناء مدارس أو توزيع كتب، المطلوب هو إصلاح جذري يراعي التنوع الثقافي والجندري، ويضمن التعليم باللغة الأم، ويضع العدالة الاجتماعية هدفاً مركزياً، إن بقاء الوضع على حاله يعني استمرار دوائر الفقر والتمييز، وولادة أجيال من الفتيات يشعرن أنهن غريبات في أوطانهن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية