وسط تحذيرات أممية.. تفاقم أزمة ندرة المياه يهدد ملايين البشر

وسط تحذيرات أممية.. تفاقم أزمة ندرة المياه يهدد ملايين البشر
الجفاف - أرشيف

كشفت منظمتا الصحة العالمية واليونيسف، الجمعة، تقريراً مشتركاً بمناسبة أسبوع المياه العالمي، سلط الضوء على خطورة أزمة "ندرة المياه" الناتجة عن التغير المناخي والاحترار العالمي، والتي باتت من أعقد التحديات التي تواجه البشرية. 

وحمل التقرير عنوان "التقدم في مياه الشرب والصرف الصحي للأسر خلال الفترة 2000 ـ 2024: تركيز خاص على أوجه عدم المساواة"، مؤكداً أن ربع سكان العالم لا يزالون محرومين من مياه شرب آمنة، في حين يفتقر أكثر من 3.4 مليار شخص إلى خدمات صرف صحي آمن.

أوضحت منظمة اليونيسف في التقرير أن الفجوة المائية لا تزال قائمة رغم التقدم المحرز منذ عام 2015، حيث يفتقر واحد من كل أربعة أشخاص حول العالم إلى مياه شرب تدار بشكل آمن، في حين يتضاعف خطر حرمان سكان الدول الأقل نمواً من هذه الخدمات مقارنة بالدول الأخرى. 

وأشارت إلى أن احتمال غياب وسائل النظافة الأساسية عن هؤلاء السكان يزيد بأكثر من ثلاثة أضعاف، ما يخلق خريطة عالمية من "الإقصاء المائي" ترتبط ارتباطاً مباشراً بالفقر وعدم المساواة.

توزيع غير عادل للمياه

وبين التقرير أن ثلثي سطح الأرض مغطى بالمياه، إلا أن نسبة المياه العذبة لا تتجاوز 2.5%، والجزء الأكبر منها محجوز في الكتل الجليدية، ليبقى أقل من 1% متاحاً للاستخدام البشري. 

ومع النمو السكاني والتغيرات المناخية، تتفاقم الأزمة، إذ تُقدّر منظمة الصحة العالمية أن 2.2 مليار إنسان يفتقرون حالياً لمياه شرب آمنة، ويتوقع بحلول عام 2030 أن يظهر عجز يصل إلى 40% بين الطلب والموارد المائية المتاحة. 

وتُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي، حيث تضم 12 دولة من أصل 17 تُصنف ضمن الأعلى عالمياً في ندرة المياه.

خطر التحول للفقر المائي

حذر تقرير المناخ الصادر عن الأمم المتحدة هذا العام من أن تركيا، المصنفة حالياً ضمن الدول التي تعاني من "إجهاد مائي"، قد تتحول إلى "دولة فقيرة مائياً" بحلول عام 2030. 

وتشير تقديرات غرفة المهندسين البيئيين إلى أن متوسط نصيب الفرد من المياه القابلة للاستخدام لا يتجاوز 1330 متراً مكعباً سنوياً، وهو معدل يتراجع بشكل خطير في مناطق مثل إيجة والبحر الأبيض المتوسط وشمال كردستان. 

وتؤكد منظمات بيئية أن السياسات الأمنية ومشاريع السدود والتوسع العمراني تسهم في تعميق الأزمة، ما يثير القلق بشأن العدالة المائية داخل البلاد.

شهادات خبراء بيئيين

وانتقدت الباحثة في علم البيئة دريا أكيول غياب سياسة مائية واضحة في تركيا، معتبرة أن جعل الماء سلعة تجارية قابلة للبيع والشراء عمّق الأزمة بدلاً من حلها. 

وأوضحت أن الاعتماد على أساليب الري التقليدية مثل "الري بالغمر" يهدر أكثر من نصف الموارد المائية، في حين تتسبب شبكات المياه المتهالكة في فقدان ما بين 25% إلى 30% من المياه. 

وأضافت أن إزالة الغابات وبناء السدود والتمدد العمراني أدت إلى تقليص تغذية المياه الجوفية والأنهار، ما يهدد النظام البيئي ويضع الأمن الغذائي في مهب الخطر.

تداعيات اجتماعية وبيولوجية

وحذرت دريا أكيول من أن استمرار الجفاف ونقص المياه سيؤديان إلى موجات نزوح من المناطق الريفية، خصوصاً في شمال كردستان التي تعتمد على الزراعة وتربية المواشي. 

وأشارت إلى أن الأزمة قد تعيد سيناريوهات التهجير القسري الذي شهدته المنطقة في تسعينيات القرن الماضي، حيث ارتبطت سياسات إزالة الغابات بالاعتبارات الأمنية والعسكرية. 

وأوضحت أن اختفاء الغطاء النباتي حوّل المدن إلى كتل إسمنتية، وأدى إلى اختلال التوازن الحراري، في حين باتت أنهار كبرى مثل دجلة والفرات تحت سيطرة السدود، وهو ما غيّر تدفقها الطبيعي وأثر على الحياة البيولوجية بأكملها.

الدعوة إلى السلام

ودعت الباحثة إلى تبني مفهوم "السلام مع الطبيعة" بوصفه جزءاً من أي عملية ديمقراطية أو اجتماعية، معتبرة أن إعادة القرى المهجرة إلى الحياة الزراعية تعني استعادة الروابط المجتمعية. 

وأكدت أن الحل لا يكمن فقط في وقف النزاعات، بل في إعادة التوازن بين الإنسان وبيئته، مشددة على أن المياه يجب أن تُعامل باعتبارها حقاً إنسانياً أساسياً لا سلعة تجارية. 

وختمت بالقول: "نحن نحلم بحياة منسجمة مع الطبيعة، ونناضل من أجل مجتمع يعيد دمج الإنسان بالبيئة، بعيداً عن سياسات الربح التي عمّقت الأزمات".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية