من هوليوود إلى أوروبا.. هل تصبح السينما ساحة ضغط لوقف الانتهاكات الإسرائيلية؟

من هوليوود إلى أوروبا.. هل تصبح السينما ساحة ضغط لوقف الانتهاكات الإسرائيلية؟
هوليوود - أرشيف

شهدت صناعة السينما العالمية في الأشهر الأخيرة تحركًا غير مسبوق تمثل في مقاطعة واسعة لمؤسسات السينما الإسرائيلية، استجابةً لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة منذ قرابة عامين، فقد تحولت الحملة التي أطلقها مئات السينمائيين الفلسطينيين بسرعة إلى حركة دولية جمعت أكثر من 4000 توقيع من ممثلين ومخرجين ومنتجين من مختلف القارات، بينهم أسماء بارزة في هوليوود مثل خواكين فينيكس، إيما ستون، مارك رافالو، وأوليفيا كولمان.

الرسالة المفتوحة التي أطلقها الفنانون أكدت وفق ما ذكرته شبكة "قدس" الإخبارية، أن التعهد لا يستهدف الأفراد بل المؤسسات الثقافية المتواطئة مع نظام الفصل العنصري والجرائم الموصوفة بأنها إبادة جماعية في غزة، وقد خصّت بالذكر مهرجانات مثل القدس السينمائي، حيفا الدولي، Docaviv وTLVfest، معتبرة أن استمرار التعامل معها يعني المشاركة في تبييض الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.

استجابة لنداء فلسطيني

الحملة انطلقت عقب نداء وجهه صناع أفلام فلسطينيون دعوا فيه زملاءهم عالميًا إلى رفض الصمت ووقف أي شكل من أشكال التواطؤ مع إسرائيل، وترافق هذا النداء مع تصاعد الغضب العالمي جراء صور المجاعة في غزة والضحايا المدنيين، خصوصًا الأطفال، في ظل استمرار الحصار والعمليات العسكرية.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 37 ألف فلسطيني قُتلوا منذ أكتوبر 2023، بينهم آلاف الأطفال، في حين يواجه أكثر من 80% من سكان القطاع خطر الجوع الحاد، وهذه الأرقام جعلت من المقاطعة الفنية واجبًا أخلاقيًا في نظر كثير من الموقعين.

البيان استلهم تجربة المقاطعة الثقافية لجنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، حين أطلق مارتن سكورسيزي وجوناثان ديمي وآخرون عام 1987 حملة "صناع الأفلام المتحدون ضد الفصل العنصري"، تلك الحملة أسهمت في عزل النظام العنصري دوليًا، وأصبحت لاحقًا مثالًا على دور الثقافة والفن في الضغط السياسي، وتتبنى المقاطعة الحالية المنهج ذاته استخدام السينما، بما لها من تأثير جماهيري، كأداةً لكسر الصمت حول الجرائم والانتهاكات.

رفض واتهام بالتضليل

الجانب الإسرائيلي قابل الحملة برد فعل غاضب، حيث اعتبرت جمعية المنتجين الإسرائيليين أن المقاطعة "تستهدف الأشخاص الخطأ" وأنها قد تسكت أصوات الفنانين الإسرائيليين الذين ينتقدون سياسات دولتهم ويدعمون الرواية الفلسطينية، ويعكس هذا الموقف القلق من أن المقاطعة قد تؤدي إلى عزلة ثقافية متنامية على غرار ما حدث لجنوب إفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي.

ومن بين الشركات الكبرى، اتخذت باراماونت خطوة لافتة برفضها صراحةً دعوات المقاطعة، مؤكدة أن "إسكات الفنانين الأفراد بناءً على جنسياتهم لا يخدم قضية السلام"، وهذا الموقف عكس الانقسام داخل صناعة الترفيه العالمية بين اتجاه يرى المقاطعة ضرورة أخلاقية وضغطًا مشروعًا بموجب القانون الدولي، وآخر يخشى أن تتحول إلى أداة لحرمان أصوات معارضة داخل إسرائيل نفسها.

الأبعاد الحقوقية والقانونية

الحملة تستند إلى قواعد القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر استهداف المدنيين، وميثاق الأمم المتحدة الذي يجرّم الإبادة الجماعية، والمنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وصفت سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بأنها تمثل شكلًا من أشكال الفصل العنصري.

وفي الوقت نفسه، دعم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دعوات لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، من هذا المنظور، تصبح المقاطعة الفنية امتدادًا لمطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات سياسية واقتصادية وثقافية.

التداعيات المباشرة للمقاطعة ظهرت في تراجع الدعم الدولي لمهرجانات إسرائيلية كانت تعتمد على مشاركة نجوم عالميين. كما دفعت الحملة النقاش داخل الأوساط الفنية إلى مستويات غير مسبوقة حول أخلاقيات التعاون مع مؤسسات مرتبطة بحكومات متهمة بارتكاب جرائم حرب، سياسيًا، تضيف هذه الخطوات إلى عزلة إسرائيل المتزايدة، خصوصًا بعد قرارات محاكم دولية مثل محكمة العدل الدولية التي اعتبرت أن هناك "أساسًا معقولًا" للادعاءات بارتكاب إسرائيل جرائم إبادة في غزة.

تأثير الحملة في صورة السينما

السينما ليست مجرد فن بل أداة لصناعة الوعي الجماعي، وبتوقيع آلاف الفنانين، يظهر أن ثمة تحولًا في الوعي داخل الأوساط الثقافية العالمية، حيث لم تعد مقبولة الحيادية المطلقة في مواجهة ما يوصف بأنه جرائم ضد الإنسانية، وتضع الحملة مؤسسات السينما الإسرائيلية أمام اختبار أخلاقي صعب إما النأي بنفسها عن سياسات حكومتها أو مواجهة عزلة دولية قد تتسع في السنوات المقبلة.

المقاطعة السينمائية لإسرائيل ليست حدثًا معزولًا بل جزء من حركة أوسع لمساءلة الاحتلال على الصعيد الدولي، إنها امتداد لحملات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والرياضية، لكنها أكثر رمزية نظرًا لأن السينما لغة عالمية قادرة على التأثير في الرأي العام.

وبينما تتزايد أعداد الضحايا في غزة وتتعمق الأزمة الإنسانية، تبدو هذه المقاطعة خطوة أخرى في مسار طويل من الضغط المدني والثقافي نحو مساءلة إسرائيل أمام القانون الدولي، وإعلاء صوت الضحايا عبر الفن بدلًا من تهميشهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية