أمن الخليج.. عمل جماعي
أمن الخليج.. عمل جماعي
شكّل 9 سبتمبر 2025 نقطة فاصلة في تاريخ أمن الخليج، فإسرائيل وحكومتها المتطرفة عندما هاجمت العاصمة القطرية الدوحة لاستهداف الوفد المفاوض لحركة حماس، فإنها استهدفت منظومة الأمن الخليجي وليس قطر فحسب، وهو الأمر الذي كان محل تأكيد من قادة دول مجلس التعاون، لإيمانهم أن أمن الخليج مسؤوليةٌ جماعيةٌ وكلٌ لا يتجزأ بأي حال من الأحوال.
ربما يكون الهجوم الإسرائيلي على قطر هو أخطر ما تعرضت له منظومة الأمن الخليجية خلال السنوات الماضية؛ فلا الهجوم الإيراني قبل أشهر قليلة الذي استهدف القاعدة الأمريكية على الدرجة نفسها من الخطورة، ولا الأحداث التي سبقته بسنوات مثل الهجمات على منشآت أرامكو السعودية باستخدام أسلحة إيرانية من قبل الحوثيين، ولا حتى الأحداث التي شهدتها البحرين في 2011 وأدت إلى دخول قوات درع الجزيرة إليها لحمايتها من الأخطار الخارجية.
خطورة الهجوم الإسرائيلي على الدوحة استثنائيته ترتكز على عدة عوامل، أهمها وأولها أنها جاءت من طرف إقليمي يحاول أن يوهم المنطقة بأسرها بقدرته على ضرب أي نقطة فيها، ثانيًا محاولة كسر استقرار الخليج الذي استمر لعقود طويلة بفضل منظومة التعاون التي تجمعه وسياسة قادته الذين نجحوا في تجنب أي تصعيد في المنطقة وعدم الدخول في دوائر الصراع.
ومنذ اللحظة الأولى للهجوم، كانت تأكيدات الدول الخليجية واضحة وحاسمة أن مجلس التعاون الخليجي لن يتهاون مع أي مساس بأمن دوله، وأكدت ذلك أمام مجلس الأمن الدولي، كما استخدمت دول خليجية قنوات اتصال في تحذير إسرائيل من تبعات هذا الهجوم وآثاره على مستقبل المنطقة وتهديده لأي جهود لإحلال السلام فيها.
وفي الدوحة عقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة، وكانت مخرجاتها واضحة في مساندة ودعم قطر، وعلى هامش تلك القمة عقد الاجتماع الهام لدول الخليج، وكانت مخرجات الاجتماع استثنائية بالقطع، بداية من توجيه القادة مجلس الدفاع المشترك في مجلس التعاون بعقد اجتماع عاجل في الدوحة، يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا، لتقييم الوضع الدفاعي لدول المجلس ومصادر التهديد في ضوء العدوان الإسرائيلي.
لطالما كان أمن الخليج مسؤولية جماعية لا تنفرد بها أي دولة من الدول منذ توقيع اتفاقية دفاعية عسكرية مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، في المنامة في 21 ديسمبر 2000، والتي نصت بشكل واضح على أن يكون مبدأ الأمن في الخليج "جماعيًا متكاملاً ومتكافلاً" معتمدًا على الإمكانيات الذاتية للدول الأعضاء لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح هذه الدول وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية.
ما حدث في قطر من استهداف استثنائي قرأته دول الخليج وقادتها، وبالقطع بدأت باتخاذ خطواتها التي من الطبيعي ألا تظهر للعلن في الوقت الحالي، من أجل ضمان أمن المنطقة وضمان عدم تكرار مثل هذا الهجوم في أي وقت من الأوقات وتحت أي ظرف من الظروف من طرف إقليمي سواء إيران أو إسرائيل أو أي طرفٍ آخر واهمٍ يعتقد أنه يستطيع أن يهدد أمن المنطقة دون حساب.
دول الخليج وما تبذله من جهود دبلوماسية للتخفيف من الصراعات في العالم بداية من غزة وحتى أوكرانيا والسودان لا يعني إطلاقًا أنها ستتسامح مع أي محاولة لزعزعة استقرارها على الإطلاق، بل على العكس ستواجه أي محاولة، وسيدفع أي طرف إقليمي يحاول العبث باستقرارها ثمنًا باهظًا.