نساء كينيا في صفّ الحياة البرية.. كيف تغيّر المرأة قواعد حماية الطبيعة؟
نساء كينيا في صفّ الحياة البرية.. كيف تغيّر المرأة قواعد حماية الطبيعة؟
في قلب سهل منطقة أمبوسيلي في كينيا، حيث تلتقي مراعي الماشية بمسارات هجرة الأفيال وأساليب عيش مجتمع الماساي، برزت مبادرات نسائية حملت دور حماية الحياة البرية بشكل مباشر، وحدات مثل "تيــم ليونيس" التي أُنشئت بدعم من منظمات دولية تضم الآن عشرات الشابات العاملات كحارسات ومراقبات ميدانيات ضمن صفوف حراس مجتمع "أولغولو-أوغونغولو"، ما مكّن المجتمعات من مواجهة الصيد الجائر وتخفيف حدة الصدام مع الحيوانات البرية.
وفق تقرير مصور نشرته شبكة “دويتشة فيله" الجمعة، فإن ”حضور هؤلاء النسوة في دوريات ميدانية، وفي برامج توعية تعليمية مع المدارس المحلية، بدا نهجاً متكاملاً يجمع بين الدفاع عن الموارد الطبيعية ودعم النسيج الاجتماعي المحلي.
دوافع التغيير
تتعدد أسباب انخراط النساء في حماية الحياة البرية منها على سبيل المثال أولاً، الخبرة التقليدية والروابط الأسرية بالأرض جعلت النساء مصدراً لمعرفة محلية عن مواطن المياه ومسارات الحيوانات ومواسم التجوال، وهو ما يسهّل المراقبة والإنذار المبكر، وثانياً، تحوّل برامج التنمية المحلية والدعم الدولي إلى نماذج تمكّن المرأة من الحصول على دخل مستدام وفرص تدريب مهني، ما جعل مهنة الحماية خياراً مكملاً للرفاه الاقتصادي، وثالثاً، أظهرت تجارب عدة أن مشاركة النساء تحسّن ثقة المجتمع في أجهزة الحماية وتخفف من احتمالات الاحتكاكات، خصوصاً في مجتمعات تتطلب تواصلاً مدنياً أكثر حساسية. وتوضح تقارير من برامج دعم الحضور النسائي في المحميات أن إدماج النساء أصبح جزءاً من الاستراتيجية لحماية المساحات الحيوية.
وتقول منظمات محلية ودولية إن وجود نساء ضمن فرق الحراسة أسهم في رصد حوادث صيد غير مشروع والإبلاغ عنها، وكذلك في التخفيف من ظاهرة الانتقام ضد المفترسات الناتج عن قتل الماشية، كما أطلقت فرق نسائية مبادرات تعليمية في المدارس أدّت إلى رفع وعي الأجيال الشابة في كينيا بالقيمة الاقتصادية والبيئية للحياة البرية، وربطت بين حماية الطبيعة وسبل العيش المستدامة للسكان المحليين.
وفي أمبوسيلي تحديداً، تدعم شبكات الحراسات المجتمعية وصلات هامة بين محافظي الأراضي والمنظمات البحثية مثل مؤسسة أمبوسيلي لبحوث الفيلة، التي تتابع أعداد الأفيال وترصد التغيرات في النُظم البيئية.
بيانات المؤسسة تشير إلى أن عدد الأفيال في منظومة أمبوسيلي يناهز نحو 1,900 رأس بنهاية 2024، ما يجعل الإقليم محورياً للحماية الإقليمية.
تأثيرات على الصعيد البيولوجي والاقتصادي
تمكين المرأة لا يخدم فقط أهداف العدالة الاجتماعية بل يتقاطع مباشرة مع نتائج حفظ الأنواع، فحماية الممرات البيئية وإدارة النزاعات مع القطيع البشري تحد من حالات نفوق الحيوانات وتخفض خسائر المزارعين، ما ينعكس إيجاباً على دخل السياحة المجتمعية التي تُعد مورد دخل مهماً في منطقة أمبوسيلي، ومع ذلك لا تزال التهديدات قائمة، من بينها الصيد عبر الحدود وتراخيص الصيد في مناطق مجاورة، حيث حذّرت منظمات بيئية من أن عدد الفيلة الكبيرة المهددة بالأمن تقلّ بشكل حاد، وتقدّر بعض الجهات أن أقل من عشرة أمثلة من هذا النمط تبقى في منظومة أمبوسيلي، وهذا العامل يرفع من حساسية مهمة الحراسات الميدانية، ويجعل عمل النساء أكثر ضخامة من ناحية الأهمية وفق موقعBig Life Foundation"".
ورغم النجاحات، تواجه المبادرات النسائية عقبات ملموسة في كينيا حيث لا تزال القوانين والممارسات العرفية تحد من ملكية النساء للأرض وامتلاكهن وسائل الإنتاج، وهو أمر يحد من سلطتهن في اتخاذ قرارات طويلة الأمد داخل هيئات الحماية المجتمعية، تشير دراسات إلى أن نسبة ملكية النساء للأراضي في كينيا منخفضة للغاية، ما يضعهن في موقف ضعف عند التفاوض على فوائد الحماية وإدارة الموارد، كما تواجه النساء أخطاراً تتعلق بالأمن الشخصي أثناء الدوريات، وقيوداً على الوصول إلى تدريب متواصل وتجهيزات لوجستية متطورة.
ردود أفعال المنظمات الدولية
المنظمات الأممية والمنظمات الحقوقية رحبت بمساعي دمج النساء في حفظ الطبيعة، وأكدت منظمة الأمم المتحدة للمرأة أن القيادة النسائية جمعاء تشكل ركيزة لسياسات بيئية منصفة وفعالة، ودعت إلى تضمين الجنس في تنفيذ إطار العمل العالمي للتنوع البيولوجي، كما أصدرت جهات إقليمية وتقنية مثل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة وثائق توجيهية للممارسات الجندرية في حماية النظم البيئية، في تماشي مع قرار إطار كونمينغ-مونتريال الذي نصّ على أهمية المناهج الحسّاسة للجندر في تنفيذ أهداف التنوع البيولوجي، ومنظمات محلية مثل رابطة محافظات الحياة البرية في كينيا تعمل على دمج مستويات التدريب والدعم المالي للمحافظات لدفع مشاركة النساء وفق منظمة الأمم المتحدة للمرأة.
تحليل الممارسات يشير إلى أن دمج النساء بفعالية يتطلب أكثر من توظيف نسوة في دوريات؛ إنه يستلزم إصلاحات في الحقوق العقارية لتوسيع ملكية النساء، وتمويلاً مستداماً للمشاريع المجتمعية، وبرامج تدريب دائمة تشمل مهارات تقنية وأمنية وإدارية، كما توصي دراسات بضرورة جمع بيانات مفصلة ومبنية على النوع الاجتماعي لقياس أثر مشاركة النساء في تقليص الصيد الجائر وتحسين سبل التعايش بين البشر والحياة البرية، ويدعم الإطار القانوني الدولي هذا التوجه؛ فالتزامات كينيا بموجب اتفاقية التنوع البيولوجي وخطة العمل النوعي تلزمها بتعزيز تمثيل المرأة في صنع القرار المتعلق بالموارد الطبيعية.
تجربة أمبوسيلي تمثل نموذجاً عملياً لكيفية تقاطع حقوق النساء مع أهداف حفظ التنوع البيولوجي، وجذور هذه المقاربة تعود إلى حركات محلية كحركة الحزام الأخضر التي أطلقتها وانغاري ماثاي في السبعينيات، والتي ربطت بين تمكين النساء والحفاظ على الموارد الطبيعية، واليوم، تشير أدلة ميدانية إلى أن النساء في كينيا لا يقدّمن مجرد مساهمة مضافة بل يغيّرن قواعد اللعبة من استعادة الثقة المجتمعية إلى رصد الجرائم البيئية والحد من الصدامات، ولتحقيق أثر مستدام، يحتاج هذا التحول إلى سياسات وطنية تدعم ملكية المرأة للأرض، وتمويلاً مستداماً، وجمع بيانات مبتكرة لقياس النتائج، ومع تزايد الضغوط على البيئة من صيد غير مشروع وتغير مناخي، تشكّل قدرة النساء على القيادة في الحماية فرصة لتحويل الخطر إلى أمل واقعي لبقاء الحياة البرية واستقرار سبل عيش المجتمعات المحيطة.