الأمم المتحدة: العنصرية خطر متجدد يهدد السلم العالمي وحقوق الإنسان
الأمم المتحدة: العنصرية خطر متجدد يهدد السلم العالمي وحقوق الإنسان
قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60 المنعقدة في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل، سلّط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه العالم في مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بها من تعصب.
التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، أكد أن الظاهرة لم تتراجع رغم الالتزامات الدولية، بل تجددت بأشكال جديدة تُغذيها الأزمات الاقتصادية والإنسانية والتحولات الرقمية، بينما تبقى الفئات الأكثر هشاشة –كاللاجئين والمهاجرين والأقليات العرقية– الأكثر عرضة لتداعياتها.
وأوضحت المفوضية الحاجة إلى حملات تواصلية عالمية تعزز الوعي وتفضح الممارسات العنصرية. حيث أطلقت مبادرات نوعية أبرزها “تعلّم، ارفع صوتك، تصرّف!”، إلى جانب حملة #كافح_العنصرية، بهدف دفع الأفراد والمجتمعات والدول لاتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة التمييز.
وأكد التقرير أن العنصرية لا تمثل مجرد سلوك فردي منحرف، بل هي تهديد ممنهج يقوض مبادئ العدالة والمساواة ويغذي دوائر العنف والصراع.
الفئات الأكثر تضررًا
من أبرز ما ورد في التقرير التركيز على الفئات التي تتحمل العبء الأكبر من العنصرية، مثل الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي، المهاجرين، اللاجئين والأقليات العرقية. هذه المجموعات، بحسب المفوضية، غالبًا ما تواجه تمييزًا متعدد الأبعاد: في التعليم، وسوق العمل، والعدالة، وحتى في الخدمات الأساسية مثل الصحة والسكن.
وأشار التقرير إلى أن التمييز البنيوي هو الأخطر، حيث تُترجم السياسات الحكومية أو الممارسات المؤسسية إلى حرمان مزمن لهذه الفئات من حقوقها، ما يخلق دوائر متواصلة من الفقر والإقصاء. وغالبًا ما يتم تبرير هذه الممارسات بخطابات الأمن القومي أو المصلحة العامة، لكنها في حقيقتها استمرار لأنماط عنصرية متجذرة.
أبرز التقرير أيضًا التحول الخطير للفضاء الرقمي إلى منصة خصبة لنشر خطاب الكراهية. فمع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح نشر الصور النمطية السلبية والتحريض ضد الأقليات يتم بسرعة وانتشار غير مسبوقين.
وأشارت المفوضية إلى أن بعض القوى السياسية تستغل هذا الفضاء لتعزيز أجنداتها الشعبوية عبر تأجيج الانقسامات العرقية والثقافية. وحمّل التقرير الحكومات وشركات التكنولوجيا مسؤولية خاصة في ضمان ألا تتحول المنصات الرقمية إلى أدوات لترسيخ العنصرية.
صوت في مواجهة التمييز
وأكدت المفوضية أن سرد قصص الضحايا وتجاربهم يشكل أداة فعالة لتغيير العقليات والسلوكيات. ولذلك، اعتمدت حملاتها التوعوية على روايات شخصية لضحايا العنصرية من مختلف أنحاء العالم. هذه الشهادات لم تكشف فقط عن الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الأفراد، بل ساعدت أيضًا في تحريك الرأي العام الدولي وكسر الصمت المحيط بالتمييز البنيوي.
وذكرت المفوضية أنها استخدمت الفيديوهات الرقمية والمواد متعددة اللغات لنقل هذه الروايات، ما سمح بالوصول إلى شرائح شبابية واسعة، وخلق تضامن عالمي متجدد مع ضحايا العنصرية.
رغم النجاحات التي تحققت، لم يُخفِ التقرير حجم التحديات المالية والتشغيلية التي واجهت المفوضية. وأوضحت أن نقص الموارد حال دون توسيع أنشطتها لتغطية مزيد من المناطق الجغرافية أو تنفيذ برامج أعمق وأكثر استدامة.
إلا أنها مع ذلك تمكنت، بفضل الشراكات مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، من إيصال رسائلها التوعوية إلى ملايين الأشخاص حول العالم. وهنا شدد التقرير على أن الدعم المالي من الدول الأعضاء يظل شرطًا أساسيًا لتوسيع نطاق الجهود.
أرقام لافتة
بحسب المفوضية، فقد وصلت الحملات الرقمية لمكافحة العنصرية إلى أكثر من 30 مليون شخص خلال فترة وجيزة.
كما نجحت المكاتب الإقليمية والوطنية للمفوضية في إدماج رسائل مناهضة للتمييز ضمن برامجها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وتم تطوير مواد تعليمية خاصة للشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر تأثرًا بخطابات الكراهية الرقمية. هذه المواد استُخدمت في المدارس والجامعات وبرامج التدريب المدني، بما عزز مناعة الأجيال الجديدة ضد الخطاب العنصري.
رغم هذه الإنجازات، أقر التقرير بأن الطريق ما زال طويلاً أمام القضاء على العنصرية، ومن أبرز المخاطر التي حذّر منها تفاقم الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم العنصرية.
وتوظيف الكراهية العرقية كأداة في السياسات الشعبوية. وضعف مشاركة الفئات المتضررة في مواقع صنع القرار. والفجوة المستمرة بين النصوص القانونية الدولية وبين الممارسات الفعلية على الأرض.
العنصرية والعدالة الاجتماعية
ربط التقرير بين استمرار العنصرية وإدامة دوائر الفقر والإقصاء، معتبرًا أن مكافحة التمييز ليست مسألة حقوقية فقط، بل ركيزة للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. مؤكدا أن المجتمعات التي تسمح باستمرار التمييز البنيوي لن تستطيع تحقيق الاستقرار أو بناء اقتصادات قوية.
في ختام التقرير، دعت المفوضية السامية جميع الدول الأعضاء إلى تعزيز التزاماتها عبر توفير التمويل الكافي، واعتماد سياسات وطنية واضحة لمكافحة التمييز، وضمان تمثيل الفئات المتضررة في مؤسسات صنع القرار.
كما أوصت بتوسيع التعاون مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لتقويض خطاب الكراهية بدلًا من تضخيمه.
وأكدت أن العنصرية ليست قَدَرًا محتومًا، بل ظاهرة يمكن التغلب عليها من خلال إرادة سياسية قوية، ومشاركة مجتمعية واسعة، وتضامن دولي متجدد.