سيمينيو أحدث الضحايا.. هل تكفي العقوبات لمواجهة العنصرية في الرياضة الأوروبية؟
سيمينيو أحدث الضحايا.. هل تكفي العقوبات لمواجهة العنصرية في الرياضة الأوروبية؟
لم تمضِ نصف ساعة على انطلاق منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز حتى وجد الغاني أنطوان سيمينيو، مهاجم نادي بورنموث، نفسه هدفًا لإساءة عنصرية من أحد المشجعين، في مشهد يختزل كيف باتت العنصرية في الملاعب الأوروبية أزمة مزمنة أكثر من كونها حوادث فردية.
لم يكن سيمينيو الضحية الوحيدة في ذلك الأسبوع، إذ كشف أنتوي أديجي، لاعب شالكه الألماني، تعرضه لإهانة مماثلة خلال مباراة في كأس ألمانيا، في حين أدان نادي يوفنتوس الإيطالي إساءات وجهت للاعبه الأمريكي ويستون ماكيني وفي إسبانيا، اعتقلت الشرطة مشجعًا قلد أصوات القردة ضد النجم الفرنسي كليان مبابي، في مباراة لريال مدريد وفق أسوشيتدبرس.
وتظهر هذه الوقائع أن الإساءة العنصرية لم تعد حكرًا على دوري أو بلد بعينه، بل تحولت إلى ظاهرة عابرة للحدود الأوروبية، فبرغم الحملات التي أطلقها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الأوروبي (يويفا) منذ أكثر من عقدين لمكافحة التمييز، فلا تزال الأصوات العنصرية تتعالى من المدرجات في لحظات مؤثرة.
وتكشف بيانات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن عدد الشكاوى المتعلقة بالعنصرية في البطولات الأوروبية ارتفع بنسبة 20 في المئة خلال العامين الأخيرين، في مؤشر على اتساع رقعة الأزمة.
أصوات اللاعبين.. إحباط وغضب
عبّر سيمينيو عن استيائه فقال: "في هذا اليوم وهذا العصر ما زلنا نتعرض للإساءة العنصرية، وهذا أمر غير منطقي"، ويشاركه الرأي عدد متزايد من اللاعبين الذين بدؤوا الدعوة إلى تشديد العقوبات ضد المسيئين، سواء عبر المنظومة القضائية أو من خلال المؤسسات الرياضية، ويذهب بعضهم إلى حد المطالبة بوقف المباريات أو خصم النقاط من الأندية التي لا تسيطر على جماهيرها.
ألقت الشرطة البريطانية القبض على المشجع الذي أساء إلى سيمينيو، لكنها أطلقت سراحه بكفالة مع فرض قيود تمنعه من دخول الملاعب لحين انتهاء التحقيقات، وفي المقابل، شدد خبراء على أن العقوبات الفردية وحدها غير كافية، إذ يجب أن تتحمل الأندية نفسها المسؤولية، وقد دعا غاري نيفيل، المدافع السابق لمانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي، إلى تطبيق عقوبات "كبيرة ومختلفة عن المعتاد"، معتبرًا أن استمرار الردود التقليدية يفرغ أي حملة توعية من مضمونها.
هيومن رايتس ووتش ومنظمات أوروبية متخصصة في مكافحة التمييز اعتبرت أن استمرار الحوادث العنصرية في الملاعب يضعف الثقة في التزامات الاتحادات الرياضية الدولية، وأكدت أن كرة القدم لا تعكس فقط ترفيهًا جماهيريًا، بل مساحة تعبير يجب أن تصان من خطاب الكراهية، ومن جانبها، دعت المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب إلى إنشاء آليات رقابة مستقلة على المباريات الكبرى، لضمان سرعة التدخل ومعاقبة الأندية التي تفشل في السيطرة على سلوك جماهيرها.
كرة القدم والتمييز
ارتبطت العنصرية بالرياضة الأوروبية منذ عقود، ففي تسعينيات القرن الماضي، تكررت الحوادث في الدوري الإيطالي والإسباني خصوصًا ضد اللاعبين الأفارقة، وقد أطلق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حملة "لا للعنصرية" عام 2001، تلتها مبادرات مشتركة مع منظمة "كيك أوت" البريطانية، ومع ذلك، ظلت الظاهرة تتجدد مع كل جيل، إذ لم تنجح العقوبات الرمزية مثل الغرامات المالية أو إغلاق المدرجات جزئيًا في ردع المخالفين.
لا تقف الأزمة عند حدود الملاعب، بل تمتد إلى المجتمع الأوسع، حيث يغذي السلوك العنصري في الرياضة أنماطًا أوسع من التمييز، ووفقًا لمكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، فإن أكثر من 35 في المئة من الأشخاص ذوي الأصول الإفريقية في أوروبا أفادوا بتعرضهم لشكل من أشكال التمييز خلال السنوات الخمس الأخيرة، ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الرياضة والمجتمع.
وعلى الصعيد القانوني، ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على حظر كل أشكال التمييز العنصري، وهو ما يجعل استمرار الظاهرة في الملاعب الأوروبية تحديًا للالتزامات الدولية للدول والاتحادات على حد سواء.
تتزايد الدعوات اليوم إلى انتهاج سياسات أكثر صرامة، مثل الحرمان الكامل من دخول الملاعب لفترات طويلة، وفرض عقوبات جماعية على الأندية، إضافة إلى تعزيز المناهج التعليمية التي تستهدف الجماهير الشابة، كما يرى بعض الحقوقيين أن تدخل المحاكم الأوروبية قد يكون ضروريًا لإلزام المؤسسات الرياضية الوطنية باتخاذ خطوات ملموسة.
وتتجاوز الإساءة العنصرية في الملاعب الأوروبية مجرد سلوك فردي، لتصبح مرآة تعكس هشاشة القيم التي ترفعها الرياضة الأوروبية، ومع كل حادثة جديدة، يزداد الضغط على فيفا ويويفا والحكومات الأوروبية للانتقال من الوعود إلى التنفيذ الفعلي، عبر آليات ردع فعالة تضع حدًا لتكرار الإهانات بحق اللاعبين، وبينما يبقى الأمل معقودًا على جيل جديد من المشجعين يرفض الكراهية، يظل السؤال مطروحًا: إلى متى ستبقى صرخات الضحايا بلا إجابة حاسمة؟