تقرير أممي: الشعوب الأصلية ترزح تحت التهميش والانتهاكات
تقرير أممي: الشعوب الأصلية ترزح تحت التهميش والانتهاكات
قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريرًا شاملًا إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60 بجنيف، التي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025، حول أوضاع الشعوب الأصلية وحقوقها.
التقرير، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يغطي الفترة الممتدة من يونيو 2024 حتى مايو 2025، ويسلط الضوء على الإنجازات والتحديات، والانتهاكات الموثقة بحق هذه الشعوب في مختلف مناطق العالم.
انتهاكات اقتصادية واجتماعية
أبرز التقرير أن الشعوب الأصلية لا تزال تواجه حرمانًا واسعًا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إذ تعاني مجتمعاتها من غياب فرص التعليم والرعاية الصحية والعمل، إضافة إلى ضعف مشاركتها في عمليات صنع القرار التنموي.
وأشار إلى أن غياب الاعتراف القانوني الكافي بأراضي الشعوب الأصلية يفاقم الأوضاع، ويجعلها عرضة للإقصاء والتهميش، خصوصًا في ظل التوسع في المشاريع الاستخراجية والتجارية التي تُنفذ دون موافقتها الحرة والمسبقة والمستنيرة.
ولفت التقرير إلى أن العديد من هذه المشاريع أدت إلى نزاعات مباشرة، وإلى تهجير قسري للسكان، بل وإلى تدمير البيئة الطبيعية التي تعتمد عليها المجتمعات الأصلية في معيشتها.
استغلال الموارد الطبيعية
ووثق التقرير حالات متكررة في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، حيث جرى تجاهل حقوق الشعوب الأصلية عند منح تراخيص التعدين أو قطع الأشجار أو بناء مشروعات بنية تحتية كبرى.
وأكد أن التقارير الواردة من خمس دول على الأقل أظهرت إصدار تصاريح للتعدين دون استشارة المجتمعات المتضررة، ما أدى إلى عمليات إخلاء قسري ونزوح داخلي، بل وفي بعض الحالات إلى انتهاكات جسيمة تضمنت العنف ضد السكان الأصليين.
وفي نيبال مثلًا، أشار التقرير إلى مشروع لبناء طريق في منطقة «تيرا/مادي» تسبب في تهديد مباشر لأراضي السكان الأصليين، وهو ما اعتبره المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، مثالًا واضحًا على إغفال المعايير الدولية الخاصة بحقوق هذه المجتمعات.
ورصدت المفوضية حالات «الشعوب المعزولة طوعًا» التي تعيش بعيدًا عن أي اتصال بالعالم الخارجي، محذرة من أن أي تدخل قسري قد يعرض هذه المجتمعات للاندثار.
وأكد التقرير أن غياب الاعتراف الكامل بحقوق هذه المجموعات يهدد بقاءها على قيد الحياة، سواء بسبب المشاريع الاستخراجية أو نتيجة النزاعات المسلحة.
البيئة في دائرة الاستهداف
وأبرز التقرير أن الشعوب الأصلية تتحمل عبئًا مضاعفًا جراء التدهور البيئي وتغير المناخ. فقد أشار إلى تفاقم الأضرار الناجمة عن التلوث الصناعي والتعدين، مثل تلوث المياه والهواء بالمعادن الثقيلة والسموم الناتجة عن النفايات، إضافة إلى إزالة الغابات والفيضانات التي تسببت في نزوح آلاف الأسر.
وسلط التقرير الضوء على حرائق الغابات في بوليفيا والفيضانات في الأمازون التي دمرت أراضي مجتمعات «التاكانا» و«تسايماني»، مشيرًا إلى أن هذه الكوارث تضع الشعوب الأصلية في مواجهة تهديد وجودي حقيقي.
أشار فولكر تورك في تقريره إلى أن الوصول إلى العدالة يمثل تحديًا جوهريًا لهذه الشعوب. فغالبًا ما تُحرم من الاعتراف القانوني الكامل بأراضيها ومواردها، وتُواجه عقبات لغوية وجغرافية واقتصادية تعوق لجوأها إلى أنظمة العدالة الوطنية.
كما لفت التقرير إلى أن أنماط التمييز القائمة -بما في ذلك الصور النمطية الجندرية والثقافية- تعزز من التهميش، وتجعل الشعوب الأصلية أكثر عرضة للانتهاكات دون وسائل إنصاف فعالة.
أرقام ودلالات
وأورد التقرير أرقامًا مهمة توضح نطاق الانتهاكات، إذ أشار إلى تدريب 73 من قادة الشعوب الأصلية في غواتيمالا لتعزيز معرفتهم بآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما وثق أن مجتمعات في باراغواي وكولومبيا وإكوادور لا تزال تواجه تهديدات مباشرة من مشاريع السجون والتعدين في أراضيها.
ونبه التقرير إلى أن النساء في هذه المجتمعات يقدن مبادرات محلية لحماية البيئة، حيث أطلق على أكثر من 300 امرأة لقب «حاميات البحيرة» في غواتيمالا لدورهن في حماية الموارد المائية.
وأكد التقرير أن المفوضية كثفت أنشطتها لدعم الشعوب الأصلية، من خلال تنظيم حلقات نقاش رفيعة المستوى، وتقديم المساعدة التقنية، ومراقبة عمليات التشاور في عدة دول.
ولعبت دورًا أساسيًا في رصد مدى التزام الحكومات بضمان الموافقة الحرة والمسبقة لهذه المجتمعات قبل تنفيذ أي مشاريع تؤثر على أراضيها.
وفي ختام تقريره، شدد فولكر تورك على أن حماية حقوق الشعوب الأصلية تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان.
ودعا الدول إلى تعزيز الاعتراف القانوني الكامل بأراضي وموارد الشعوب الأصلية، وضمان مشاركتها الفعالة في عمليات صنع القرار، ووقف أي أنشطة استخراجية أو مشاريع تنموية تنفذ دون موافقتها.
كما أوصى بضرورة توفير الدعم المالي والتقني لمبادرات هذه المجتمعات في حماية البيئة، وتعزيز آليات العدالة لضمان حصولها على الإنصاف الكامل، معتبرًا أن أي تراجع في هذه المسارات سيؤدي إلى انتهاكات جسيمة تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار البيئي على حد سواء.