مها البرجس لـ"جسور بوست": مستقبل الأمن الإقليمي مرهون بالقدرة على احترام حقوق الإنسان
أمين «العربية لحقوق الإنسان»: الأمم المتحدة أثبتت مصداقيتها تجاه غزة ومجلس الأمن مشلول بالـ"فيتو"
في ظل حرب إبادة تتواصل في غزة منذ عامين، وما خلّفته من مشاهد دموية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يزداد المشهد الإقليمي والعالمي تعقيدًا يومًا بعد يوم. وبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه المدعوم من الإدارة الأمريكية، تتصاعد الأصوات الحقوقية والإنسانية المنددة بالازدواجية الدولية وصمت مجلس الأمن المشلول أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي انعقدت فيه قمم عربية وإسلامية للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، جاءت المخرجات أقل من مستوى التوقعات، ما يثير تساؤلات حول غياب المشروع العربي الجامع، وقدرة المنطقة على صياغة موقف استراتيجي موحد في مواجهة السياسات الإسرائيلية التي لا تقتصر خطورتها على فلسطين وحدها، بل تمتد إلى أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وفي حوار مع «جسور بوست»، قدمت مها البرجس، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، قراءة شاملة لمجريات الحرب، وأبعادها الإنسانية والسياسية والإقليمية، كاشفة عن المخاطر التي يمثلها المشروع الإسرائيلي على المنطقة بأسرها، وعن غياب المشروع العربي الموحد، ومؤكدة أن احترام حقوق الإنسان يظل الامتحان الحقيقي لمستقبل الأمن الإقليمي.. وإلى الحوار..
- كيف تقرؤون المشهد الراهن في غزة بعد عامين من الحرب؟
من منظور إنساني، تُرتكب جريمة حرب وإبادة جماعية بحق شعب بأكمله والتهمة لم تعد حماس أو حزباً سياسياً يريدون التخلص منه، ما أراه مشهد في غاية التعقيد، من جهة أرى قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف يمارسون أبشع أنواع العنصرية في إسرائيل ولديهم مشاريع مغلفة بثوب ديني يعملون على تحقيقها ولو بالقوة العسكرية. وعلى الطرف الآخر الانقسام الفلسطيني يشجع قادة اليمين المتطرف في إسرائيل على استباحة كل الخطوط الحمراء.
ومن جانب ثانٍ، إسرائيل لا تستطيع أن تخوض هذا النوع من المعارك دون دعم الإدارة الأمريكية لها. فهناك توافق بين من يحكم واشنطن ومن يحكم تل أبيب.
وإذا كان هناك أمل ونقطة ضوء في نهاية النفق فهو الشعب الفلسطيني القوي المتمسك بأرضه، وحقه سيأتي يوم تتغير فيه المعادلات ويعود الحق إلى أصحابه.
أما إعلان الرئيس ترامب عدم موافقته على ضم الضفة الغربية فقد يكون مؤشرًا على تغيير في المواقف ويسهم في إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار.
- كمواطنة خليجية ما الذي يمثله العدوان الإسرائيلي على الدوحة؟
حقيقة أشعر بالخوف من هذا الوحش الذي يسمى نتنياهو، فقد كسر كل القواعد والقوانين الدولية واتفاقيات جنيف، ولم تردعه أمريكا، وهنا مصدر القلق بالنسبة لي، كيف تغاضت عن منع نتنياهو من ضرب واحد من أهم الحلفاء لها في منطقة الخليج.
هذا العدوان يجب أن يكون درسًا لنا في المنطقة وهو أن الكيان الإسرائيلي خطره ليس فقط على الدول المجاورة له بل يمتد إلى كل العالم العربي.
- وما تقييمك لمخرجات القمة العربية الإسلامية الأخيرة في قطر؟
كانت القمة فرصة لإظهار التضامن والدعم والمساندة لدولة قطر الشقيقة، لكن المخرجات لم تكن بمستوى العدوان، كنا نأمل أن تتخذ قرارات جادة وعملية تجعل إسرائيل وحكومة نتنياهو في ورطة، وتضع الاتفاقات الإبراهيمية على المحك، فلا مصداقية لهذا الكيان ولا أمان له.
- هل يمكن القول إن حرب غزة غيرت معادلات الصراع العربي–الإسرائيلي بصورة جذرية؟
ما حصل في حرب غزة من مجازر وانتهاكات وتطورات دراماتيكية على الأرض استطاعت فيها إسرائيل أن تحيد جبهة الممانعة وأن توجه ضربة كبيرة لإيران وهذا ما تحول إلى نصر عسكري عند الإسرائيليين، إضافة إلى ذلك، كان للدور الذي قامت به في سوريا، وتغيير النظام هناك، وتدخلها العسكري المباشر، وضم أراضٍ سورية، وادعائها حماية الدروز، وضرب حزب الله وقتل قياداته العليا، كل ذلك أوجد معادلات جديدة فرضتها حرب غزة، وأطلق يد إسرائيل في المنطقة. وهذه المعادلة كانت على حساب الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى.
- ما الذي يميز اللحظة الدولية الراهنة مقارنة بحروب سابقة في المنطقة؟
في المشهد السياسي، تبدو المنطقة في حالة تراجع وتفكك، لا يوجد مشروع عربي موحد يقف خلفه الجميع، وعلى المستوى الإقليمي لم يستقر الحال على تموضع القوى الأكبر بعد، فالساحة يكثر فيها اللاعبين مثل تركيا وإيران دون أن تحسم لمصلحة أحد من تلك الأطراف، ناهيك عن انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا وعزل إيران عن التأثير في دول المنطقة، وصعوبة الحالة التركية في إمساك الملف السوري أو الفلسطيني والإسلامي.
وإذا ما نظرنا إلى القوى العظمى فسنجد أن أمريكا وحدها ما زالت هي اللاعب الأكثر تأثيرًا وحضورًا، فاللحظة الدولية تفتقد لغة التوازن بين القوى العظمى.
فهذه الحرب مقارنة بحروب سابقة تعتبر هي الأطول، ولكنها وعلى الرغم من المجازر والانتهاكات والتهديد والشهداء الذين يتساقطون يوميًا، نشهد تعاطفًا دوليًا لم نعهده من قبل، وهذا شيء إيجابي لمصلحة القضية الفلسطينية، وأبرزها اعتراف الدول الكبرى بدولة فلسطين.
- هل العالم يتجه نحو إعادة صياغة توازناته الجيوسياسية على وقع حرب غزة؟
لا شك أن لعبة الأمم تبدو جلية في منطقتنا أكثر من أي بقعة أخرى في العالم، فقد وُضعنا في دائرة التجاذبات وتقاسم النفوذ والمصالح، والقوى العالمية تتشكل وفق مصالحها واستراتيجياتها.
وأمامنا «خريطة جيوبوليتيك» تموج بالصراعات والاتجاهات المتعاكسة، فالصين تتبع سياسة خارجية بعيدة عن لغة العسكر والتدخل المباشر، وروسيا منهكة بحربها مع أوكرانيا، وأوروبا تحاول النهوض من كبوتها، حتى «دول بريكس» لم تتبلور بعد بحضورها وثقلها العسكري والاقتصادي في الملفات الساخنة، وما زالت تتجمع حول مفهوم إعادة التوازن بالعلاقات الدولية.
- كيف تقيمون أداء الأمم المتحدة في التعامل مع حرب غزة؟
حقيقة أثبتت هذه الهيئة الدولية صدقيتها تجاه حرب غزة وما يصدر عن أمينها العام وتقاريرها المتواصلة كان له الأثر الفاعل في صحوة العالم على المآسي والمجازر التي تحدث هناك. وهي الصوت الوحيد الذي يحرك المياه الساكنة تجاه حرب التجويع والإبادة والجرائم ضد الإنسانية من خلال مؤسساتها ومنظماتها الدولية.
- هل بات مجلس الأمن عاجزاً عن معالجة الأزمات الدولية، أم أن عجزه انتقائي مرتبط بميزان القوى؟
مجلس الأمن مخطوف من القوى العظمى التي تتحكم به وبالفيتو الذي تمتلكه، وللأسف رأينا كيف وقفت مندوبة أمريكا أكثر من مرة رغم المجازر التي تبث مباشرة في مجلس الأمن وحيدة تعترض على وقف إطلاق النار.
وهذا يدل على الانحيازية في القوى التي تهيمن على مجلس الأمن والذي بات مجلسًا مشلولًا وعاجزًا عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
- في تقديركم، كيف ستنعكس حرب غزة على مستقبل الأمن الإقليمي العربي وتقاطعاته مع حقوق الإنسان والتنمية؟
أعتقد أن مستقبل الأمن الإقليمي العربي مرهون بمن يصنعه، هل نحن من يحدد هذا المستقبل في ظل دولة مارقة أسقطت سيادة دول باعتدائها وقوتها العسكرية، والقضية الفلسطينية قضية عادلة وتحديدًا حرب الإبادة الجماعية التي تحدث حاليًا على الهواء مباشرة في غزة هي الامتحان الحقيقي والأخلاقي والحقوقي.
وأود التأكيد أن احترام حقوق الإنسان ضرورة مجتمعية وعلينا أن نناضل جميعًا من أجلها.
- هل ترون هناك فرصة لولادة نظام إقليمي جديد؟
تداعيات الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة فرض أجندة جديدة لا بد من إعادة النظر فيها وهي الاتفاقات الإبراهيمية فهذا «الشرق الأوسط الجديد» الذي هندسته إسرائيل، وقدمت له الغطاء الكلي إدارة ترامب، لم يعد صالحًا للعمل به، فالاستفراد بتغيير الخرائط الجغرافية وقيم نظام إقليمي من جانب واحد محكوم عليه بالموت البطيء.
لكن لم تتضح بعد ملامح نظام جديد يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية رغم مما أحدثته حرب غزة من تغييرات في الرأي العام العالمي وفي مواقف دول أوروبية ولاتينية لصالح الفلسطينيين وآخرها موقف الرئيس الأمريكي برفض ضم الضفة الغربية.
- برأيكم، ما الذي يريده العرب حقا في هذه المرحلة الحساسة؟
إجابة هذا السؤال ليست سهلة؛ فأين المشروع العربي الذي نبحث عنه وسأكون ممتنة لك إذا أرشدتني على مكان أستطيع أنا وأنت التعرف على ما يريده العرب حقًا.
- كيف تنظرون إلى تأثير 7 أكتوبر على خطاب الغرب؟
الواضح لأي مراقب يرصد ما حدث في العالم أن التأثير فعليًا إلى بقاع الأرض، وأحدث هزة في ضمير شعوب ودول لم تتحرك من قبل كما هي اليوم.
لكن هل امتد هذا التأثير إلى النظام الدولي القائم؟ مبكر القول إنه طال هذا النظام إنما زرع بذورًا فيه قد تؤدي على خلخلته من الأساس وهذا يعتمد على عامل الوقت.
ومن إيجابيات 7 أكتوبر أنه جعلنا شهودا على ازدواجية الغرب بالتعامل مع القضية الفلسطينية مقارنة بما يحصل على سبيل المثال في الحرب الروسية-الأوكرانية، وكيف أنه يتعامل بمكيالين متناقضين هناك مع حقوق الإنسان وحق الشعوب بتقرير مصيرها وهنا لا علاقة له بذلك.
- ولكن ما الفائدة من التعاطف دون وقف الحرب؟
صحيح هناك موجة تعاطف كبيرة مع الشعب الفلسطيني على مستوى الشعوب والجامعات، لكن هذا التحول لم يصل بعد إلى تغيير في سياسات الدول الفعلية بمساندة ودعم إسرائيل العسكري والاقتصادي اللامحدود.
ما شاهدناه في الأسبوعين الأخيرين بشهر سبتمبر من تدحرج الاعترافات بدولة فلسطين وصل إلى 160 دولة في العالم يدل على مدى تأثير حرب غزة والفظائع التي ترتكب من قبل جيش الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني.