من حرية التعبير إلى أدوات المراقبة.. كيف انتهكت شركات الدفاع حقوق الطلاب في بريطانيا؟

من حرية التعبير إلى أدوات المراقبة.. كيف انتهكت شركات الدفاع حقوق الطلاب في بريطانيا؟
جامعة غلاسجو

أظهرت رسائل إلكترونية داخلية اعتراف إدارات عدد من الجامعات البريطانية بأنها عرضت على شركات صناعات عسكرية ودفاعية مراقبة نشاط طلابي على مواقع التواصل أو متابعتها قبل فعاليات التوظيف، تلبية لطلبات تلك الشركات القلقة من احتجاجات ورفض شعبي داخل الحرم الجامعي، وتكشف الوثائق، التي حصلت عليها صحف ومنصات تحقيقية، عن تواصل مباشر بين جامعات مثل لوفبورو وهيريوت-وات وغلاسجو وبين شركات مرموقة في صناعة الأسلحة لإجراءات وصفها المسؤولون بأنها “احترازية” أمام معارض التوظيف، وفق صحيفة "الغارديان".

منذ أكتوبر 2023 شهدت جامعات المملكة المتحدة موجة احتجاجات مؤيدة لفلسطين ترافقت مع دعوات لمقاطعَة شركات وصناعات يُحملها النشطاء مسؤولية تورطها في تصدير عتاد إلى مناطق نزاع، وكشفت تحقيقات ميدانية وطلبات معلومات أن نحو سبع وثلاثين جامعة من إجمالي نحو مئة وأربعة وخمسين مؤسسة فتحت تحقيقات تأديبية بحق أكثر من مئتي طالب وموظف بين أكتوبر 2023 ومارس 2025، وهي أرقام تعكس اتساع نطاق التوتر داخل الحرم الجامعي.

لماذا حدث ذلك؟ 

تتقاطع دوافع إدارة الجامعات مع ضغوط خارجية واعتبارات داخلية فشركات الصناعات الدفاعية والعسكرية تحدثت عن مخاوف من الإزعاج والتهديد لزوارها، وصانعي السياسات والوزراء حثّوا المؤسسات على تأمين فعاليات توظيف القطاع الدفاعي، فيما سعت بعض إدارات الجامعات إلى حماية سير عمل التوظيف ومصالح الخريجين في سوق يواجه نقصًا في مهارات الحقل الدفاعي، في الوقت نفسه، نظّمت رابطة مسؤولي الأمن الجامعي جهودًا لتنسيق ردود فعل مؤسسية، بما في ذلك استخدام مراقبة الوسائط وشرائح من توثيق الأنشطة خلال الفعاليات. 

الحقوق المتضررة والإطار القانوني

الممارسة المتسربة تصطدم مباشرة بمبادئ الحريات الأساسية: كالحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، وحرمة الحياة الخاصة، وتشمل الوثائق القانونية الدولية التي تؤطر هذه الحقوق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية الرأي والتعبير كما يحمي من التدخلات التعسفية في الخصوصية وأن أي مراقبة مؤسسية للطلاب يجب أن تجتاز اختبارات القانون والضرورة والتناسب والشرعية، وإلا اعتُبرت انتهاكًا لمعايير حقوق الإنسان وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

قانون البيانات والالتزامات المؤسسية

على الصعيد التقني والقانوني المحلي، تضع قواعد حماية البيانات ومرجعيات مكتب مفوض المعلومات إطارًا واضحًا لمنع المراقبة التعسفية حيث يجب أن تستند أي معالجة لبيانات شخصية إلى أساس قانوني صحيح، وأن تكون شفافة ومتناسبة وأن تُجري مؤسسات تقييم أثر للخصوصية عند اللزوم، وإرشادات المراقبة الوظيفية الصادرة عن المفوضية تؤكد أن المؤسسات مطالبة بالحد من التدخل واختيار أقل الوسائل تدخلاً لحماية الأمن أو الأداء المؤسسي.

تداعيات إنسانية وأكاديمية عميقة

يتجاوز الموضوع مجرد استخلاص بيانات حيث إن تحويل مكاتب الجامعات في بريطانيا إلى مرصدٍ لرصد نشاط سياسي يقوض الثقة بين الطلبة وإدارات مؤسسات التعليم، ويخنق النقاش الحر والرأي المخالف، ويُولّد أثرًا ردعيًا يجعل الطلاب يراقبون أنفسهم ويكتمون مواقفهم، و“تجريم” النشاط السلمي داخل الحرم ينعكس على جودة التعليم والبحث وحيوية الحياة الأكاديمية، كما يفتتح سابقة خطيرة في علاقة الجامعة بالمجتمع المدني، وقد سجلت جمعيات دولية تعنى بحرية البحث والتعليم ارتفاعًا في الاعتداءات والقيود على الجامعات، ما يجعل ما جرى في المملكة المتحدة جزءًا من اتجاه أوسع يُهدّد الحريات الأكاديمية. 

مواقف المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية

أثارت الرسائل المسربة استنكارًا واسعًا في أوساط منظمات حقوقية ونقابات جامعية، التي وصفت تكيّف الجامعات مع مطالب شركات السلاح بأنه “مخزٍ” ويقوّض دور الجامعة في حماية حق الطلاب في التعبير السلمي، ودعت نقابات أساتذة وطلاب إلى تحقيقات شفافة، وإلى تعليق أي اتفاقات أمنية لا تحترم الضوابط القانونية وحرمة المراسلات الخاصة. 

في المقابل، دافعت بعض الجامعات عن نفسها بالقول إن مراقبتها كانت على حسابات عامة كجزء من رصد إعلامي اعتيادي ولا تُجازف بخصوصيات المحادثات الخاصة. 

تحتم هذه الأزمة سلسلة إجراءات فورية تتمثل في نشر كامل عقود أو مبادئ التعاون بين الجامعات والجهات الخارجية، وتحقيق مستقل ونزيه يشارك فيه خبراء حماية البيانات وحقوق الإنسان، وتطبيق التقييمات الأثرية للخصوصية قبل أي مراقبة، وتعزيز سياسات شفافة تضمن حماية حق الطلاب في التعبير والتجمع السلمي، كما يجب أن يجري تدريب فرق الأمن الجامعي على احترام الحقوق الأساسية، وأن تكون أي تدابير أمنية قابلة للطعن القضائي، وأخيرًا، على الجهات الرقابية الوطنية مثل مكتب مفوض المعلومات ومؤسسات التعليم العليا أن تطرح إرشادات محددة تحمي الحرية الأكاديمية وتمنع الاستغلال الخارجي لأدوات الأمن. 

ما كشفتْه الرسائل هو اختبار جوهري لطبيعة الجامعة: هل هي فضاء للتفكير الحر والبحث والمسؤولية المدنية، أم منصة للإدارة الأمنية والتعاون مع مصالح خارجية تقوّض حق المجتمع الأكاديمي في الاختلاف؟ الرد العملي يتطلب مسؤولية قانونية وأخلاقية واضحة من رؤساء الجامعات والحكومات والهيئات الرقابية، وإعادة بناء ثقةٍ مستهدفة بين الطلاب ومؤسسات التعليم، لأن الحرم الجامعي يبقى المكان الذي تُنقّح فيه الفِكرٌ الديمقراطي، ولا يصح أن يتحول إلى شُعابٍ للمراقبة لصالح صناعة السلاح أو أي جهة أخرى، بحسب "الغارديان".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية