وسط مخاوف بيئية.. تفاقم أزمة التلوث في إيران يهدد حياة الملايين

وسط مخاوف بيئية.. تفاقم أزمة التلوث في إيران يهدد حياة الملايين
التلوث في إيران - أرشيف

تفاقمت أزمة تلوث الهواء في عدد من المدن الإيرانية لتصل إلى مستويات غير مسبوقة من الخطورة، بعدما سجلت مؤشرات جودة الهواء في العاصمة طهران ومدن كبرى مثل أصفهان ومشهد والأهواز أرقاماً توصف بأنها “غير صحية لجميع الفئات العمرية”، وسط تحذيرات من تدهور بيئي متواصل يهدد حياة السكان وصحتهم.

وأظهرت بيانات رسمية أن مشهد سجلت مؤشر تلوث بلغ 166 درجة، لتدرج ضمن “الفئة الحمراء الخطيرة”، في حين بلغت المؤشرات في طهران وأصفهان أكثر من 100، ما جعل الأجواء “غير مناسبة لمرضى الحساسية وكبار السن”.

وذكرت وكالة أنباء "إيرنا" الإيرانية، اليوم الأحد، أن الوضع في محافظة خوزستان بات “كارثياً”، إذ أعلن مدير العلاقات العامة في إدارة حماية البيئة بالمحافظة شهريار عسكري، أن مدن الأهواز ودزفول وأنديمشك وشوشتر والحويزة وعبادان دخلت مرحلة “الوضع الأحمر”، أي أصبحت “غير صالحة للتنفس”.

وأكد عسكري، أن “الأجواء في عدد آخر من مدن المحافظة ملوثة أو برتقالية”، ما يعني أنها تمثل خطراً صحياً على الفئات الحساسة.

ويُعد هذا التدهور البيئي استمرارًا لأزمة مستمرة منذ أعوام، إذ تُعد خوزستان من أكثر المناطق تضرراً بسبب الجفاف وحرائق مستنقع هور العظيم الذي يطلق كميات ضخمة من الدخان والغازات السامة في الجو.

تفاقم الأزمة البيئية

عزت تقارير بيئية إيرانية تفاقم الأزمة إلى الحرائق المتكررة في مستنقع هور العظيم الذي كان في الماضي من أكبر النظم البيئية المائية في إيران قبل أن يتعرض للجفاف والإهمال.

وأسهم احتراق الطبقات الجافة من القصب والمواد العضوية في المستنقع في إطلاق غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، ما جعل أجواء المحافظة أشبه بـ“غرفة مغلقة من الدخان”.

وحذر مركز التنبؤ الوطني التابع لهيئة الأرصاد الجوية من استمرار نشاط الغبار والعواصف الترابية في مناطق الجنوب الشرقي، تشمل جنوب بلوشستان إيران وجنوب شرق كرمان وشرق هرمزغان، وهو ما ينذر بامتداد الكارثة إلى مناطق جديدة.

أصفهان تختنق تحت الغبار

سجلت أصفهان، بحسب بيانات محلية، مؤشر تلوث بلغ 108، لتعيش يومها التاسع عشر على التوالي في الحالة “البرتقالية”.

وكشفت صحيفة “اعتماد” الإيرانية في تقرير نشر في 8 أكتوبر الجاري أن جفاف مستنقع كاوخوني ونشاط المناجم الصناعية في محيط المدينة أسهما في زيادة الأمراض المستعصية وحالات السرطان.

وأشارت الصحيفة إلى أن أجزاءً من المستنقع الجاف تحولت إلى بؤر تطلق غبارًا سامًا محملاً بالمعادن الثقيلة، باتجاه الأحياء السكنية، ما جعل السكان يعيشون تحت سحابة خانقة من التلوث اليومي.

تهديد لصحة السكان

أوضحت وكالة "إيرنا" في تقرير سابق نُشر في أغسطس الماضي أن الجزء الجاف من “كاوخوني” تحول إلى “مركز خطير للغبار السام”، ما يهدد استقرار البيئة وصحة السكان في وسط إيران.

وبيّنت أن الغبار الناتج عن التربة الجافة والمناجم المفتوحة يؤدي إلى ارتفاع نسب الأمراض التنفسية المزمنة مثل الربو والتهاب القصبات الهوائية، فضلاً عن زيادة الإصابات بأمراض القلب والسرطان في المدن الصناعية الكبرى.

وتشير تقارير طبية إلى أن المستشفيات الإيرانية، خصوصاً التي في طهران والأهواز، تستقبل يومياً مئات الحالات الناتجة عن التلوث الحاد، في حين تزداد معاناة الأطفال وكبار السن بشكل خاص.

غياب خطة وطنية

ورغم تفاقم الأزمة البيئية وبلوغها ما وصفته المنظمات المحلية بـ“المستوى البني الأخطر”، لم يتبنَ النظام الإيراني حتى الآن خطة شاملة لمواجهتها.

ويقول الخبير البيئي مهرداد بورمحمد إن “إيران تعاني من غياب سياسات بيئية متماسكة، فالمعالجة لا تتجاوز إغلاق المدارس في أيام الذروة أو حظر سير المركبات مؤقتاً، في حين تستمر المصانع في العمل دون رقابة”.

ويضيف أن “البلاد بحاجة إلى خطة وطنية مستدامة تشمل إعادة تأهيل المستنقعات، وتشجير المناطق الجافة، وتقليل الانبعاثات الصناعية، وإلا فإن مدناً كاملة ستصبح غير صالحة للعيش في غضون سنوات قليلة”.

أزمة بيئية تتحول لمأساة

يعيش الإيرانيون اليوم بين سماء ملبدة بالدخان وأرض جافة فقدت خضرتها، في حين يواجه الملايين خطرًا صامتًا لا يُرى بالعين المجردة.

ولا تقتصر الكارثة على البيئة فقط، بل تمتد إلى الحق في الحياة والصحة الذي تضمنه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما جعل منظمات دولية تدعو طهران إلى تبني سياسات عاجلة للحد من التلوث.

في شوارع طهران ومشهد والأهواز، يسير الناس وهم يضعون الكمامات، لكنهم يدركون أن الهواء الذي يتنفسونه لم يعد هواءً... بل سحابة من الخطر الدائم، تختبر قدرة الإنسان على البقاء في مواجهة بيئة تنهار بصمت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية