رمزية تكسر الصمت.. نساء أفغانستان يواجهن القمع بـ"المحكمة الشعبية"
رمزية تكسر الصمت.. نساء أفغانستان يواجهن القمع بـ"المحكمة الشعبية"
تتحدى الأفغانيات الخوف والصمت بجرأة نادرة، حين يحوّلن الألم إلى شهادة، والظلم إلى وثيقة إدانة علنية. في بلدٍ تتوارى فيه العدالة خلف جدران الخوف، وتُكمم الأفواه باسم الدين والسياسة، اختتمت محكمة الشعب النسائية الأفغانية أعمالها بعد ثلاثة أيام من الجلسات التي شكّلت خطوة رمزية نحو كشف الحقيقة، ومنحت النساء مساحة للتحدث عن معاناتهن التي طال صمتها.
واختُتمت جلسات المحكمة مؤخراً، بعد أن استمعت إلى شهادات نحو اثنتين وعشرين امرأة من مختلف الولايات الأفغانية، بعضهن حضرن شخصياً، وأخريات شاركن عبر تسجيلات صوتية خوفاً من الانتقام، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.
وكشفت النساء، خلال شهاداتهن، انتهاكات مروّعة ارتُكبت ضدهن خلال السنوات الأربع الأخيرة تحت حكم حركة طالبان، من سجنٍ وتعذيبٍ وحرمانٍ من التعليم والعمل والتنقل، إلى إجبار بعضهن على الزواج القسري أو العيش في عزلة تامة داخل المنازل.
ورغم أن محاكم رمزية مشابهة كانت قد أُقيمت خلال فترة الغزو السوفييتي، فإن هذه الدورة جاءت مختلفة، إذ لم تناقش جرائم الحرب التقليدية، بل سلّطت الضوء على قمعٍ يوميّ ممنهج تمارسه السلطة ضد النساء فقط لأنهن نساء.
عدالة رمزية بأيدٍ نسائية
نظّمت المحكمة أربع مؤسسات مدنية أفغانية، وأدارها فريق من القاضيات ووكيلات النيابة، اللواتي يعشن المعاناة نفسها التي روَتْها الشاهدات. لم تكن جلسات المحكمة رسمية، لكنها اكتسبت شرعيتها من صدق الألم ومشروعية المطلب الإنساني بالعدالة.
وقد خصّصت المحكمة في يومها الثاني وقتاً رسمياً لحركة طالبان لعرض وجهة نظرها، غير أن الحركة التزمت الصمت ولم تُقدِّم أي رد، ما أضفى رمزية إضافية على صمت الجلاد في مقابل صرخة الضحايا.
وتزامن انعقاد المحكمة مع زيارة وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، إلى الهند، والتي منعت الصحفيات الهنديات من حضور مؤتمره الصحفي، في تناقض صارخ بين شعارات الديمقراطية وممارسات الإقصاء، كما تزامن الحدث مع اجتماع في روسيا حول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، ما عكس التداخل العميق بين السياسة الإقليمية ومعركة الأفغانيات من أجل الكرامة.
ورغم تجاهل السلطات الحاكمة، تفاعل مستخدمو شبكات التواصل في أفغانستان بكثافة مع الحدث، وعبّر كثيرون عن تضامنهم مع النساء المشاركات، معتبرين المحكمة "خطوة نحو كسر الصمت" و"بداية لمساءلة أخلاقية وإنسانية ضد القمع".
شجاعة تكسر القيود
في شهادتها المؤثرة، قالت ليلما صفدر، إحدى النساء المحتجات في ولاية باميان: "أشعر بألم كل امرأة أدلت بشهادتها.. إنهن يمثلن ملايين الأفغانيات اللواتي يُقمعن يومياً ويعانين بصمت. بعض الحاضرين سخروا من المحكمة، لكن مجرد الحديث عما جرى لهن هو فعل مقاومة".
وأضافت بصوتٍ مفعم بالعزيمة: "رأيت في أعين النساء اللاتي تحدثن روح الصمود.. لم يندمن رغم ما واجهنه من سجن وتعذيب وإهانة. الإدلاء بالشهادة في مجتمع يعتبر الحديث عن الاغتصاب عاراً هو بحد ذاته فعل ثوري".
ورغم رمزية المحكمة وعدم امتلاكها سلطة قضائية، فإنها تمثل خطوة أولى في مسار طويل نحو العدالة والمحاسبة، خصوصاً في ظل غياب الدعم الدولي الفعّال.
وأظهرت هذه التجربة أن النساء الأفغانيات، اللواتي حُرمن من التعليم والعمل وحتى الخروج إلى الشارع، ما زلن يمتلكن القدرة على رفع أصواتهن ومواجهة الخوف، مؤكدات أن الكلمة قادرة على كسر القيود حين يصمت العالم.