"إغلاق في وجه الكلمة".. واشنطن تلغي تأشيرات لأجانب بسبب منشورات نقدية
"إغلاق في وجه الكلمة".. واشنطن تلغي تأشيرات لأجانب بسبب منشورات نقدية
تشنّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة جديدة تُقيد الحق في حرية التعبير تحت ذريعة الأمن القومي، بعد أن ألغت وزارة الخارجية الأمريكية تأشيرات ستة أجانب بسبب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تناولت اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك.
تُظهر هذه الخطوة – التي وُصفت بأنها غير مسبوقة – كيف تحوّلت التأشيرات من وسيلة عبور قانونية إلى أداةٍ لمعاقبة الآراء، وكيف أصبح الفضاء الرقمي ساحةً للملاحقة بدلاً من الحوار، وفقا لصحيفة "الغارديان"
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان نُشر على موقع X، أن "الولايات المتحدة ليست ملزمة باستضافة الأجانب الذين يتمنّون الموت للأمريكيين".
ووفقا لما أوردته وكالة "رويترز" أدرجت الوزارة ستة أمثلة لأجانب لم يعودوا موضع ترحيب في الولايات المتحدة، من الأرجنتين والبرازيل وألمانيا والمكسيك وباراغواي وجنوب إفريقيا، بعد أن نُسبت إليهم تعليقات اعتُبرت معادية لتشارلي كيرك، الذي كان يُعد أحد أبرز الأصوات المحافظة الداعمة للرئيس ترامب.
تتضمن المنشورات، التي تداولتها الإدارة، عبارات تُعبّر عن الغضب أو السخرية من مقتل كيرك، بينها قول أحدهم بالألمانية: "عندما يموت الفاشيون، لا يشكو الديمقراطيون"، وآخر بالأرجنتينية اتهم كيرك بـ"نشر خطاب عنصري وكاره للنساء".
تؤكد الخارجية الأمريكية أن هؤلاء الأفراد "احتفلوا بالاغتيال الشنيع"، وهو ما يُبرر – وفق بيانها – سحب تأشيراتهم على الفور.
إنفاذ قوانين الهجرة
ووفقا لمجلة "التايمز"، يصرّ وزير الخارجية ماركو روبيو على أن القرار لا يتعلق بحرية التعبير، بل بـ"إنفاذ قوانين الهجرة والدفاع عن المواطنين والثقافة الأمريكية".
وفي في اليوم ذاته الذي أعلنت في الإدارة إلغاء التأشيرات منح فيه الرئيس وسام الحرية الرئاسي بعد الوفاة لتشارلي كيرك، في احتفال رسمي في البيت الأبيض، ما يُحوّل القضية من إجراء إداري إلى رسالة سياسية واضحة
يصف مراقبون المشهد بأنه "تقديس للولاء ومعاقبة للاختلاف"، إذ يتحول الرمز السياسي إلى معيار للمواطنة المقبولة، فيما يُصبح النقد – ولو صادرًا من خارج الحدود – تهديدًا للأمن القومي.
ونقلت "الغارديان" عن نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو إنه "يشعر بالاشمئزاز من رؤية البعض يشيدون بالحادث أو يبررونه"، ويحث مستخدمي الإنترنت على إرسال منشورات المنتقدين إليه لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
المراقبة الرقمية
تؤكد "التايمز" أن برقية رسمية وُقّعت من روبيو ووجّهت إلى المكاتب القنصلية في يونيو أمرت بجعل حسابات المتقدمين للحصول على تأشيرات طلابية عامة "لمراجعتها وتقييم ما إذا كانت تحمل مواقف عدائية تجاه مواطنينا أو ثقافتنا أو مؤسساتنا".
وتُشير "رويترز" إلى أن الإدارة ألغت منذ يناير أكثر من 6000 تأشيرة طالب، من بينها مئات بسبب منشورات وُصفت بأنها "معادية لأمريكا"، فيما استُخدم الذكاء الاصطناعي لتتبع الحسابات التي أبدت دعمًا للفلسطينيين ضمن ما وصفته الصحافة الأمريكية ببرنامج "القبض والإلغاء".
تفتح هذه السياسات تفتح الباب أمام انتهاك واسع للحق في الخصوصية وحرية التعبير، إذ تتحول "الهوية الرقمية" إلى تهمةٍ محتملة.
فوفقا لـ "التايمز" فقد استخدمت واشنطن سياسة الإلغاء الانتقائي لتأشيرات الأجانب كوسيلة لإرسال رسائل سياسية، إذ طردت سفير جنوب إفريقيا إبراهيم رسول، وألغت تأشيرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومنعت دخول الثنائي البريطاني بوب فيلان.
55 مليون حامل تأشيرة
كما تُراجع وزارة الخارجية وضع أكثر من 55 مليون حامل تأشيرة محتمل، ما أثار اعتراض جماعات الحريات المدنية التي رأت في ذلك "خرقًا واضحًا للتعديل الأول من الدستور الأمريكي".
وفي حكمٍ تاريخي، يؤكد القاضي ويليام يونغ أن غير المواطنين المقيمين قانونيًا يتمتعون بالحق نفسه في حرية التعبير مثل المواطنين، معتبرًا أن سياسات الترحيل على أساس الآراء السياسية "تُهدد جوهر الدستور".
توُشير "التايمز" إلى أن وزارة العدل الأمريكية طلبت من شركة آبل إزالة تطبيقات تسمح بتتبع موظفي دائرة الهجرة والجمارك، كما أكدت ميتـا حذفها لمجموعة رقمية "لانتهاكها سياسات الأذى المنسّق"، بناءً على طلب رسمي.
يعزز هذا التعاون بين الحكومة وشركات التكنولوجيا يعزز فكرة الرقابة المؤسسية على الفضاء العام، فيما تعتبر جماعات حقوق الإنسان أن تبرير القمع باسم الأمن القومي يقوّض أسس الديمقراطية الأمريكية ذاتها.
وتُشير "الغارديان" إلى أن إدارة ترامب تواصل الدفاع عن إجراءاتها بوصفها "حماية ضرورية للأمن القومي"، لكنها في الوقت نفسه تعيد تعريف حرية التعبير كمكافأة على الولاء السياس، وتخلص الصحيفة إلى أن "الاختلاف أصبح خطرًا، والنقد تهديدًا، والرأي الحر استثناءً لا قاعدة".