تصاعد الغضب في همدان.. تحرش مزعوم يفجّر التوتر بين الطلاب الإيرانيين والعراقيين
تصاعد الغضب في همدان.. تحرش مزعوم يفجّر التوتر بين الطلاب الإيرانيين والعراقيين
أشعل حادث تحرش مزعوم في جامعة بوعلي سينا بمدينة همدان الإيرانية فتيل أزمة اجتماعية وأمنية معقدة تحمل في طياتها أبعادًا عنصرية وإنسانية متشابكة، وبين روايات متضاربة واتهامات متبادلة، يجد طلاب عراقيون أنفسهم في مواجهة حملة غضب شعبية تتجاوز حدود الجامعة، في حين يكشف المشهد برمّته عن هشاشة العلاقات الثقافية بين شعوب يُفترض أن توحدها الجغرافيا والدين، لا أن تفرّقها الكراهية.
وذكرت صحيفة "هم ميهن" الإيرانية، اليوم الخميس، أن عددًا من الطلاب الإيرانيين الذين شاركوا في احتجاجات بمدينة همدان ضد ما وصفوه بـ"تحرش طالب عراقي بطالبة إيرانية"، تم استدعاؤهم من قِبل السلطات الأمنية للتحقيق.
وأوضحت الصحيفة أنّ موجة الغضب الطلابية امتدت خارج الحرم الجامعي، إذ امتنع بعض أصحاب المحال التجارية عن بيع السلع للطلاب العراقيين، كما رفض عدد من سائقي تطبيق "سناب" (النظير الإيراني لأوبر) نقلهم، في مشهدٍ يعكس تصاعد التوترات الاجتماعية والتمييز ضد الأجانب.
وبحسب صحيفة "أميركبير"، فإن الاحتجاجات التي اندلعت في 6 أكتوبر الجاري شهدت مشاركة عدد من السكان المحليين الذين نددوا بوجود طلاب عراقيين "مرتبطين بميليشيا الحشد الشعبي"، وطالبوا بطردهم من الجامعة.
وأشارت مصادر حقوقية إلى أن قوات الأمن الإيرانية فرقت بالقوة تجمعًا شعبيًا آخر في 11 أكتوبر كان يندد بالحادثة ذاتها، ما زاد من احتقان الشارع في المدينة.
روايات متناقضة ونفي
في خضم هذه الأزمة، أكد موقع "الجبال" العراقي أن الطالب العراقي "سيف صدام حسين" هو من تورط في الحادثة، غير أن صحيفة "هم ميهن" نقلت عنه نفيًا صريحًا، حيث قال إنه استُدعي للتحقيق لأربع ساعات قبل أن يتبيّن للشرطة عدم ثبوت أي تهمة بحقه.
وأضاف أن الشرطة اعتذرت له، قبل أن تطلب منه مغادرة البلاد حفاظًا على سلامته، بعد أن واجه نظرات عدائية من السكان المحليين.
وأشار الطالب إلى أن شرطة الهجرة طلبت من صاحب السيارة مغادرة إيران في اليوم نفسه لتجنب الاحتكاك، في حين قال طلاب عراقيون آخرون إن صورًا ومحادثات منسوبة إليه انتشرت عبر الإنترنت، لكنها كانت "مفبركة".
وأضاف أحدهم أن العراقيين في الجامعة أصبحوا هدفًا للتمييز، حيث يرفض بعض المحال والسائقين التعامل معهم، ما أدى إلى انخفاض عددهم إلى نحو 50 طالبًا فقط.
اتهامات بتجاهل الجامعة
نقلت "هم ميهن" عن أمين رابطة الطلبة الإسلامية في جامعة بوعلي سينا، علي رضا علي محمدي، انتقاده لما وصفه بـ"تجاهل إدارة الجامعة لتصرفات غير منضبطة من بعض الطلاب الأجانب"، مشيرًا إلى أن الأمر بدأ من تدخين الطلاب داخل الحرم الجامعي وقيادة السيارات في أماكن ممنوعة، قبل أن يتطور إلى توترات اجتماعية.
وقال علي محمدي إن "الطالب الإيراني يُحال فورًا إلى لجنة الانضباط عند المخالفة، في حين يُعامل الطالب الأجنبي بامتياز خاص يمنع معاقبته"، معتبرًا أن ذلك أشعل غضب الطلاب الإيرانيين وشجع على الاحتجاج.
وفي تطور موازٍ، كشفت نشرة “أميركبير” صدور سياسة جديدة من منظمة شؤون الطلاب الإيرانية تسمح للطلاب الأجانب بالإقامة في مناطق "محظورة" تشمل مواقع عسكرية وأمنية.
وأوضحت أن اللائحة التي أقرت العام الماضي، تهدف إلى "تسهيل استقطاب الطلاب الدوليين"، لكنها عمليًا تمنح السلطات فرصة أكبر لـ"التحكم في البيئة الجامعية" واستقدام طلاب موالين للنظام.
وحذرت النشرة من أن القرار قد يفتح الباب أمام تغلغل عناصر شبه عسكرية داخل الجامعات، مثل المنتسبين إلى الحشد الشعبي وحزب الله والحوثيين، تحت غطاء التعليم، في إطار ما وصفته بـ"العسكرة الجامعية الممنهجة".
كراهية الأجانب تتصاعد
رأى عالم الاجتماع الإيراني عَرَش نصر إصفهاني أن ما يجري في همدان هو انعكاس لموجة "رُهاب الأجانب" المتزايدة في المجتمع الإيراني، والتي سبق أن طالت اللاجئين الأفغان.
وأكد أن الجذور الحقيقية لهذه الظاهرة تكمن في التدهور الاقتصادي وتنامي النزعات القومية والتمييزية، محذرًا من أن استمرار مثل هذه الممارسات يهدد النسيج الاجتماعي الإيراني ويقوض قيم التعايش.
وتكشف أزمة همدان تراجع ثقافة التسامح داخل الجامعات الإيرانية، وتحولها إلى ساحة لصراع الهويات، بدل أن تكون مساحة للحوار والتنوع الثقافي.
ومع تصاعد الخطاب المعادي للأجانب، يواجه الطلاب العراقيون عزلة قسرية، في حين يجد الإيرانيون أنفسهم بين تضامن وطني وغضب اجتماعي تغذيه الشائعات.
ورغم أن الحادثة بدأت بادعاء "تحرش فردي"، فإن تداعياتها تجاوزت ذلك لتتحول إلى قضية إنسانية وسياسية تعكس أزمة أعمق في المجتمع الإيراني، حيث تختلط المعايير الأخلاقية بالأمنية، وتتحول الجامعات إلى مرآة لاحتقانٍ اجتماعي طويل الأمد.