إغلاق محتمل لبرنامج UNAIDS يهدد بانتكاسة في معركة العالم ضد الفيروس
إغلاق محتمل لبرنامج UNAIDS يهدد بانتكاسة في معركة العالم ضد الفيروس
أثار اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أخيراً بإنهاء برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بمكافحة الإيدز بحلول نهاية عام 2026 موجة واسعة من القلق في الأوساط الصحية والحقوقية حول العالم، بعد أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس البرنامج الذي شكّل محورًا رئيسيًا في تنسيق الاستجابة العالمية لوباء فيروس نقص المناعة البشرية.
وبالنسبة إلى جانا دوفباخ، المديرة التنفيذية لجمعية الحد من الضرر الأوراسية، جاء القرار بمنزلة صدمة، ففي شرق أوروبا وآسيا الوسطى، حيث تعمل منظمات المجتمع المدني في بيئات مقيدة، لعب البرنامج دورًا دبلوماسيًا بالغ الأهمية.
وتقول دوفباخ إن الوكالة كانت الجسر الذي أتاح التواصل مع الحكومات التي تفرض قيودًا على حرية التعبير، وساعدت في الدفاع عن الفئات المهمشة وضمان حصول المصابين على الأدوية المنقذة للحياة، وتضيف أن غياب هذا الدور سيجعل ملايين المصابين بلا صوت ولا حماية وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
تقلص المساعدات الدولية
يأتي هذا المقترح في وقتٍ تشهد فيه المساعدات الخارجية للبلدان المنخفضة الدخل تراجعًا حادًا، ما ينذر بإرباك جهود الاستجابة العالمية للإيدز، وفي مؤتمر القمة العالمي للصحة في برلين، حذّرت المديرة التنفيذية الحالية للبرنامج، ويني بيانييما، من أن الانخفاض السريع في التمويل يكلف أرواحًا بالفعل، داعية المجتمع الدولي إلى إدراك خطورة الموقف قبل فوات الأوان.
وتصف أنجيلي أشريكار، نائبة المدير التنفيذي للبرامج في UNAIDS، المقترح الأممي الثمانيني ضمن خطة إعادة هيكلة المنظمة بأنه "صدمة كبيرة"، فخلال العام الماضي، جرى تقليص عدد العاملين في الوكالة الأممية إلى النصف ضمن خطة خفض التكاليف، وهو ما أثار تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة على الحفاظ على دورها في تنسيق الاستجابات الصحية العالمية.
تحذيرات من “ضربة قاضية”
يرى مسؤولون وخبراء أن إنهاء البرنامج فجأة قد يشكل ضربة قاضية للجهود الرامية إلى مكافحة الفيروس. فبعد سنوات من العمل على تحسين النظم الصحية في الجنوب العالمي وضمان استمرار الخدمات رغم تقليص المساعدات، قد يؤدي غياب البرنامج إلى فراغ خطر يصعب تعويضه.
ويقول أشريكار إن البرنامج كان بمنزلة العمود الفقري لمتابعة الجهود الدولية في مكافحة الفيروس، ومع تراجع التمويل من الولايات المتحدة وجهات مانحة أخرى، فإن إنهاءه قد يفتح الباب أمام عودة الأزمة إلى مستويات كانت قد انخفضت قبل عقدين.
بيانات لا غنى عنها
يرى الباحثون أن من أكبر خسائر إغلاق البرنامج الأممي فقدان قاعدة بياناته الواسعة، التي كانت تُستخدم في تتبع تطور الوباء وتحليل اتجاهاته عبر القارات، فقد أظهرت بيانات UNAIDS أن القارة الإفريقية لا تزال مركز الوباء، إذ تضم نحو 67 في المئة من إجمالي المصابين البالغ عددهم أكثر من 40 مليون شخص حول العالم.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء، رغم انخفاض خطر الإصابة بنحو 60 في المئة منذ التسعينيات، ما تزال الفتيات المراهقات والشابات في طليعة الفئات المعرضة للإصابة، ويقول كينيث نغوري، الرئيس المنتخب للجمعية الدولية للإيدز، إن هذه البيانات سمحت للحكومات بتحديد مواطن الضعف واتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، وبدونها، "سنفقد البوصلة"، على حد تعبيره.
وفي دول آسيا الوسطى وشرق أوروبا، حيث يواجه المصابون بالفيروس وصمًا وتمييزًا ممنهجًا، تخشى المنظمات الحقوقية أن يؤدي غياب البرنامج إلى انهيار الجهود الوقائية، وتقول دوفباخ إن إغلاق UNAIDS سيصعّب متابعة الحالات بين الفئات المجرّمة مثل متعاطي المخدرات والرجال المثليين، وهو عمل لم يكن ممكنًا دون شبكات الثقة التي بناها البرنامج على مدى عقدين.
وتحذر من أن بعض الحكومات قد تتوقف عن التعامل مع الفيروس كأزمة صحية عامة، ما قد يؤدي إلى عودة انتشار العدوى في غضون سنوات قليلة، خاصة بين النساء والأطفال داخل المرافق الطبية.
إنجازات علمية مهددة بالتوقف
يرى خبراء أن القرار يأتي في وقت يشهد فيه المجال الطبي تطورات غير مسبوقة، منها تطوير أدوية طويلة المفعول مثل "ليناكافافير" القادرة على منع انتقال الفيروس بفاعلية تقترب من مئة في المئة. ويقول ميتشل وارن، المدير التنفيذي لتحالف مناصرة لقاح الإيدز، إن هذه الفرص العلمية كان ينبغي أن تكون محور تركيز المجتمع الدولي، لا التفكير في إغلاق البرنامج الذي ساعد على تحقيقها.
ويضيف أن طرح هذه الأدوية الجديدة سيتأثر بشدة في حال غياب البيانات التي تجمعها UNAIDS والتي تحدد المناطق الأكثر احتياجًا لها، كما أن الضغط الدولي لضمان العدالة في الوصول إلى العلاجات سيضعف من دون هذه المنصة.
تحذيرات من فقدان البوصلة العالمية
تحذر نوماثيمبا تشانديوانا، الباحثة في مؤسسة ديزموند توتو الصحية بجنوب إفريقيا، من أن إلغاء البرنامج أو دمجه في كيانات أممية أخرى سيؤدي إلى تفكيك منظومة التنسيق العالمية التي بُنيت على مدى عقود، وتقول إن تجميع الجهود داخل مؤسسات ضخمة يجعل التركيز على ملف الإيدز أقل أولوية، في وقت لا تزال فيه ملايين الأرواح معرضة للخطر.
وترى أن إغلاق البرنامج في ظل خفض تمويل منظمة الصحة العالمية أيضًا، سيضاعف من حجم الضرر، ويهدد بفقدان الزخم الذي تحقق في مكافحة الفيروس منذ مطلع الألفية الجديدة.
تأسس برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز في عام 1996 لتوحيد جهود أكثر من عشر منظمات تابعة للأمم المتحدة في مواجهة وباء فيروس نقص المناعة البشرية، الذي أودى بحياة أكثر من 40 مليون شخص منذ ظهوره، وتمثلت مهمته في تنسيق الجهود الدولية وتقديم الدعم التقني والمالي للدول الأشد تضررًا، وقد أسهم البرنامج في خفض معدلات الإصابة الجديدة بنسبة تفوق 50 في المئة منذ عام 1995، وأسهم في توسيع الوصول إلى العلاج ليشمل أكثر من 29 مليون شخص حول العالم، لكن مع تراجع التمويل الدولي، وتنامي الأعباء المالية على المنظمات الأممية، أصبحت استدامة البرنامج موضع نقاش داخل أروقة الأمم المتحدة، غير أن منظمات الصحة العالمية والحقوقية تحذر من أن إنهاء هذا الكيان سيشكل خطوة إلى الوراء في واحدة من أهم معارك الإنسانية ضد مرض أودى بحياة الملايين.











