تدفق المساعدات إلى غزة يتعثر رغم اتفاق السلام وقرارات الأمم المتحدة

986 شاحنة فقط دخلت إلى القطاع

تدفق المساعدات إلى غزة يتعثر رغم اتفاق السلام وقرارات الأمم المتحدة
شاحنات مساعدات إلى غزة

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن إجمالي الشاحنات الإنسانية التي دخلت القطاع منذ بدء سريان قرار وقف إطلاق النار لم يتجاوز 986 شاحنة فقط، من أصل 6,600 شاحنة كان يُفترض دخولها حتى مساء الاثنين 20 أكتوبر 2025، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في نصوص القرار الأممي الأخير.

وأوضح المكتب، في بيان صدر الثلاثاء، أن القوافل التي وصلت حتى الآن شملت 14 شاحنة من غاز الطهي و28 شاحنة سولار مخصصة لتشغيل المخابز والمستشفيات والمولدات الكهربائية، وسط نقص حاد في الوقود والغاز الذي يعد شريان الحياة الأساسية لأكثر من 2.4 مليون مواطن في القطاع.

وأشار البيان إلى أن متوسط عدد الشاحنات اليومية لا يتجاوز 89 شاحنة من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يومياً، ما يعني أن معدل تدفق المساعدات الإنسانية يقل بنسبة 85% عن المتفق عليه، الأمر الذي يعكس –بحسب البيان– استمرار سياسة الخنق والتجويع والابتزاز الإنساني التي تمارسها السلطات الإسرائيلي بحق السكان المدنيين.

تدهور إنساني مستمر

تأتي هذه الأرقام في وقت تشهد فيه غزة أوضاعاً إنسانية قاسية عقب أشهر من القصف والحصار الذي دمّر البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمستشفيات، وتفيد تقارير منظمات الإغاثة أن أكثر من 70% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعتمد 9 من كل 10 أشخاص على المساعدات الخارجية للبقاء على قيد الحياة.

وأكد المكتب الإعلامي أن الكميات المحدودة التي دخلت لا تكفي لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية، داعياً إلى تدفق عاجل ومنتظم لما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يومياً تشمل المواد الغذائية والطبية والإغاثية ووقود التشغيل وغاز الطهي.

وحذّر مسؤولون في برنامج الأغذية العالمي من أن غزة تواجه خطر المجاعة خلال أسابيع إذا استمر هذا المعدل من الإمدادات، مؤكدين أن “كل تأخير في دخول الوقود والمساعدات يعرض حياة الآلاف من المرضى والنازحين للخطر المباشر".

مواقف أممية ودولية

دعت الأمم المتحدة، عبر منسقة الشؤون الإنسانية للأراضي الفلسطينية، إلى ضمان الوصول الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق القطاع، معتبرة أن القيود المفروضة على الإمدادات تتنافى مع الالتزامات الدولية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.

وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في بيان صدر من جنيف إن استمرار تقييد دخول المساعدات، رغم وقف إطلاق النار، يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الدولي الإنساني، مشددة على أن الدول المسؤولة عن تطبيق الهدنة مطالَبة بضمان تدفق المساعدات دون عراقيل.

في المقابل، بررت السلطات الإسرائيلية القيود بأنها إجراءات أمنية مؤقتة تهدف إلى منع تهريب المواد المزدوجة الاستخدام، وهي الذريعة التي استخدمت مراراً منذ بداية العدوان.

أصوات إنسانية من الميدان

في أحد مراكز توزيع الإغاثة بمدينة غزة، تصف سيدة خمسينية المشهد بأنه سباق يومي من أجل البقاء، مضيفة: نقف في الطوابير منذ الفجر للحصول على لتر من الزيت أو كيس طحين، لا نطلب سوى أن نعيش مثل البشر.

ويؤكد أحد الأطباء في مستشفى الشفاء أن المولدات الكهربائية تعمل على الحد الأدنى من السولار المتوفر، وأن أقسام العناية المركزة وغرف العمليات مهددة بالتوقف في أي لحظة إذا لم تُدخل شحنات وقود جديدة خلال أيام.

هذه الشهادات تتقاطع مع بيانات منظمة الصحة العالمية التي أفادت بأن أكثر من 60% من المرافق الطبية في القطاع خارج الخدمة تماماً، فيما يعمل الباقي بقدرات محدودة للغاية.

ومن الناحية القانونية، يعتبر تقييد دخول المساعدات أثناء وقف إطلاق النار انتهاكاً صريحاً للمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم الأطراف المتحاربة بالسماح بمرور الإغاثة إلى المدنيين في مناطق النزاع، كما يعدّ وفق خبراء الأمم المتحدة “انتهاكاً لمبدأ الحياد الإنساني الذي تقوم عليه عمليات الإغاثة الدولية".

ويشير مختصون في القانون الدولي إلى أن استمرار تعطيل الإمدادات قد يرقى إلى جريمة حرب قائمة على التجويع المتعمد للسكان المدنيين، وهو ما يستدعي بحسب منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تحركاً دولياً لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.

مطالب أممية

من جانبها، جدّدت وكالة الأونروا مطالبتها بفتح جميع المعابر أمام القوافل الإنسانية دون قيود كمية أو زمنية، محذّرة من أن تأخير دخول المساعدات يهدد بانهيار كامل للمنظومة المدنية في قطاع غزة.

كما حثّت منظمة الصليب الأحمر الدولي على إقامة ممر إنساني دائم وآمن بإشراف الأمم المتحدة، معتبرة أن الوضع الحالي يتناقض مع روح اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يجب أن يهدف أولاً إلى حماية المدنيين.

وفي المقابل، عبّرت منظمات إسرائيلية مدافعة عن حقوق الإنسان، مثل "بتسيلم" و"السلام الآن"، عن انتقادها للقيود المفروضة على إدخال المساعدات، واعتبرتها تواصلاً لنهج السيطرة والعقاب الجماعي ضد سكان القطاع.

وتأتي أزمة المساعدات الحالية امتداداً لحصار طويل فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007، اشتدّ خلال العدوان الأخير الذي خلّف أكثر من 68 ألف شهيد و170 ألف مصاب بحسب تقديرات محلية ودولية، إلى جانب دمار واسع في المساكن والمستشفيات والبنى التحتية.

ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 2741 لعام 2025 الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات دون قيود، إلا أن التنفيذ على الأرض ظلّ محدوداً بسبب استمرار إسرائيل في فرض شروط أمنية وإجراءات تفتيش معقدة عند المعابر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية