من القحط إلى الجوع.. كيف سيدفع الجفاف سكان أفغانستان إلى الهشاشة؟
من القحط إلى الجوع.. كيف سيدفع الجفاف سكان أفغانستان إلى الهشاشة؟
حذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة من أن معدلات هطول الأمطار في أفغانستان هذا العام تراوحت بين الأدنى من المتوسط وأقل منه بكثير، في مؤشرات على أن البلاد تواجه جفافاً مزمناً أشد من ما شهدته في السنوات السابقة، بحسب التقرير الأممي الأخير، فإن أجزاءً واسعة من المناطق الشمالية والشمال الشرقي والوسطى والغربية تشهد عجزًا مائيًا حادًّا، ما يذكر بحالة الجفاف الكارثية التي اجتاحت البلاد عام 2018.
وأوضح "أوتشا" في بيان أوردته شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" الأربعاء، أن هذه الظروف المقلقة تتزامن مع زلزال مدمر ضرب شرق أفغانستان، وعودة ملايين اللاجئين إلى البلاد، وتفاقم الجفاف ونقص تمويل قطاعات الاستجابة، ما يجعل البلاد محصورة في دائرة أزمات متشابكة، وقد بات نحو نصف سكان أفغانستان بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، مع تأثر النساء والفتيات على نحو خاص بسبب حرمانهن من التعليم والعمل والحياة العامة.
وقد أضاف تقرير "أوتشا" أن العديد من العائدين يدخلون إلى بلد يعاني بالفعل من انهيار اقتصادي وضعف الخدمات الأساسية، في ظل جفاف متزايد يعرّضهم لطريق مجهول مليء بالمخاطر.
تاريخ من الجفاف
لا تُعدّ هذه الموجةَ الأولى؛ فالتجارب الجافة في أفغانستان تمتد لسنوات، فقد واجهت البلاد منذ عام 1969 ما لا يقل عن ثمانية أحداث جفاف كبيرة أثرت في ملايين الأشخاص.
وخلال السنوات الأخيرة، دخلت البلاد في سنوات متواصلة من الجفاف شبه المستمر منذ 2021، حيث اعتُبرت جفاف 2022 الأسوأ في ثلاثة عقود، وامتدت تداعياته إلى 2023 وما بعده بمعاناة على المحاصيل والمياه والأمن الغذائي.
وتشير دراسات إلى أن 25 من أصل 34 ولاية أفغانية تعاني حالات جفاف شديدة أو كارثية، وتضررت مستويات جودة المياه في معظم المناطق، مع تراجع حصة الزراعة المطرية التي يعتمد عليها حوالي ستين في المئة من السكان.
كما أثرت التغيرات المناخية بشكل واضح في ذوبان الجليد في المرتفعات، وانخفاض التساقط الثلجي الذي يغذي الأنهار في الأودية، ما قلّص مخزونات المياه الموسمية الضرورية لري الزراعة.
الاحتياج الغذائي
وفق تقارير دولية، يعاني أفغانستان من مستويات متزايدة من انعدام الأمن الغذائي. في 2024، أصبح أكثر من 23 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أي أكثر من نصف السكان.
أما أحدث المؤشرات فتكشف أن الأزمة قد بلغت ذروتها في 2025، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي أن حوالي عشرة ملايين شخص يواجهون انعداماً حاداً في الغذاء، فيما يعاني ثلث الأطفال من تخلّف في النمو، كما وُضِع عدد كبير من السكان في خطر سوء تغذية حاد؛ فبين يونيو 2024 ومايو 2025، يُتوقع أن ما يقارب 3.5 مليون طفل دون سن الخامسة سيكونون عرضة لسوء تغذية خطرة.
وفي تجارب سابقة، نزح نحو 300 ألف شخص داخليًا عام 2018 بسبب الجفاف، وواجه حينذاك نحو 3.6 مليون شخص مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي.
وفي ظل الظروف الراهنة، يُخشى أن يتكرر الأمر، مع أن النزوح الإضافي سيتزامن مع قلة الموارد المتاحة والاستجابة الإنسانية المحدودة.
الكثير من المجتمعات الريفية التي تعتمد على الزراعة المطرية فقدت محاصيلها، وتراجع إنتاج القمح بشكل كبير، كما أن ضعف الشبكات المائية يجعل وصول المياه إلى المزارع والبيوت مشكلة يومية، ما يدفع بعض الأسر إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن فرصة للبقاء.
من ناحية القانون الدولي، يُعد توفير الغذاء والماء والحماية من الكوارث عنصرًا من عناصر الحق في الحياة والكرامة والحماية الفعلية للدول مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن عجز السلطات أو السلطات القائمة حاليًا في ضمان هذه الحقوق بسبب الجفاف قد يُعد إخلالًا بالتزاماتها الأساسية تجاه السكان.
إطار العمل الوقائي
الأمم المتحدة أطلقت استراتيجية استباقية لمواجهة الجفاف، تُعرف بـ“إطار العمل الاستباقي للجفاف 2025”، وهي تتضمّن حزم إشعارات مبكرة وتنسيق مساعدات لضمان تدخل مبكر قبل أن تصل الأزمة إلى مرحلة الانهيار الكامل.
كما أطلقت خطة العمل المبكر للجفاف التي تهدف إلى دعم قطاعات الزراعة والمياه والصحة وتنسيق شحنات الإغاثة استباقيًا، وفي مايو 2025، خصّص مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مبدئيًا 16.6 مليون دولار لدعم المجتمعات المتأثرة بالجفاف، لتسريع الإجراءات الوقائية لكن هذه المبالغ تبقى ضئيلة مقارنة بالاحتياجات، ولا تكفي لتغطية الفجوة التمويلية الضخمة.
المنظمات الإنسانية الأممية والمحلية تدعو إلى تكامل الجهود، وتوسيع نطاق الدعم، وضمان وصول المساعدات إلى المناطق النائية في أفغانستان، مع الالتزام بحماية النساء والأطفال بشكل خاص.
ردود الفعل والتحديات المحتملة
منظمات حقوق الإنسان المحلية تعتبر أن الجفاف يُستخدم ذريعة لتبرير تهميش الحقوق الأساسية، وبينها حق التنقل أو حق الغذاء، وتطالب بمراقبة دولية شفافة لأثر المساعدات.
المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر الدولي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات تطويرية مثل الفاو وبرنامج الغذاء العالمي، ركزت في بياناتها على الربط بين الجفاف وتغير المناخ، ودعوا إلى دعم تركّز على بناء القدرة على التكيف المائي والزراعي، لا الاكتفاء بالمساعدات الطارئة.
وفي الأوساط الأممية، يُطرح تساؤل حول إمكانية أن تُدمج أفغانستان في برامج تمويل مناخية دولية رغم وضع السلطة الحالية، وقد أعلنت بعض وكالات الأمم المتحدة أنها تُحاول فك تجميد التمويل المناخي لتمويل المشاريع التي لا تمر مباشرة عبر السلطات الحاكمة.
ومع ذلك، يواجه التنسيق مع طالبان صعوبات في الوصول والقيود المفروضة على العاملات والنساء، ما يعطّل قدرة المنظمات على الانتشار المتساوي.











